تشغيل الرقيق في مزارع كثيرة، وملأ المتسولون المدن ضجيجاً بصيحاتهم. وقد كتب عنهم وليم بكفورد حين سمعهم في ١٧٨٧ يقول "ليس بين الشحاذين قاطبة من يضارع شحاذي البرتغال قوة رئات، ووفرة قروح، وكثرة حشرات، وتنوع أسماك، وترتيب خرق؛ ومثابرة لا تهاب .. أن عددهم لا يحصى، عمي، صم، جرب (١) ".
ولم تكن لشبونة يومها هذه المدينة الجميلة التي نعهدها اليوم. لقد كانت الكنائس والأديرة غاية في البهاء، وقصور النبلاء فسيحة ضخمة، ولكن نسبة لا تقل عن عشر السكان بغير مأوى، وكانت الأزقة الملتوية تفوح منها رائحة القمامة والقذارة (٢). ومع ذلك فهنا، كما في سائر بلاد الجنوب، عوض الفقر بأسباب العزاء من الأيام المشمسة، والأمسيات المزدانة بالنجوم، والموسيقى، والدين، والنساء المتدينات ذوات العيون التي تعذب الناظرين. وكان القوم يتدفقون في الشوارع بعد أن تخف وقدة القيظ لا يعوقهم لدغ البراغيث في أجسامهم ولا طنين البعوض في الهواء، فيرقصون ويغنون ويعزفون على القياثير ويقتتلون للفوز بابتسامة من عذراء.
وكانت المعاهدات (١٦٥٤، ١٦٦٢، ١٧٠٣) قد قيدت البرتغال بإنجلترا في تكافل عجيب حالف بينهما في الاقتصاد والسياسة الخارجية وأبقاهما في الوقت نفسه أشد ما تكونان تبايناً في العادات وخصومة في العقيدة. وتعهدت إنجلترا بحماية استقلال البرتغال والسماح باستيراد النبيذ البرتغالي (البورت من أوبورتو) برسم جمركي مخفض جداً. أما البرتغال فتعهدت بالسماح باستيراد المنسوجات الإنجليزية معفاة من الرسوم، وبالوقوف في صف إنجلترا في أي حرب تنشب. ونظر البرتغاليون إلى الإنجليز على أنهم زنادقة هالكون يملكون أسطولاً قوياً، ونظر الإنجليز إلى البرتغال على أنهم قوم جهلة متعصبون يملكون المواني الاستراتيجية. وسيطر رأس المال البريطاني على الصناعة والتجارة البرتغاليتين. كتب بومبال يشكو من هذه الأوضاع في شيء من المبالغة:
"في سنة ١٧٥٤ لم تكد البرتغال تنتج أي شيء يعينها على الاستكفاء.