الشاملة تقريباً. ورأى بومبال سلطانه يتضاءل، ولحظ في نذر قاتمة أن أفراد الحاشية الذين كانوا بالأمس أتباعاً أذلاء له، يرونه الآن وقد قضى على نفوذه السياسي. وفي عمل أخير من أعمال الاستبداد انتقم انتقاماً وحشياً من قرية تريفاريا التي عارض أهلها-وكانوا صيادي سمك-تجنيد أبنائهم بالقوة، فأمر فصيلة من الجند بأن يحرقوا القرية: فأحرقوها بإلقاء المشاعل الملتهبة من نوافذ الأكواخ الخشبية في ظلام الليل (٢٣ يناير ١٧٧٧).
وفي ٢٤ فبراير مات يوسف الأول، وأصبحت الوصية الآن الملكة ماريا الأولى (حكمت ١٧٧٧ - ١٨١٦)، وأصبح زوجها الملك بدرو الثالث (١٧٧٧ - ٨٦). وكان بدرو رجلاً ضعيف العقل، واستغرقت ماريا في التقوى وأعمال البر. وسرعان ما استعاد الدين سلطانه، وقد كان نصف حياة الشعب البرتغالي. واستأنفت محكمة التفتيش نشاطها في الرقابة وقمع الهرطقة. وأرسلت الملكة كاريا إلى البابوية أربعين ألف جنيه لرد بعض ما أنفقت في رعاية اليسوعيين المنفيين. وفي غداة دفن يوسف أمرت الملكة بالإفراج عن ثمانمائة سجين، وكان أكثرهم قد سجنه بومبال لمعارضته سياسته. وكان كثير منهم قد قضى عرشين عاماً في غياهب السجون، فلما خرجوا لم تحتمل عيونهم ضوء الشمس وكانوا كلهم تقريباً في أسمال بالية، وبدا الكثيرون منهم في ضعفي سنهم، وكان المئات من السجناء قد قضوا نحبهم في سجونهم. ولم يبقَ على قيد الحياة من بين ١٢٤ يسوعياً زج بهم في السجون قبل ثمانية عشر عاماً سوى خمسة وأربعين (٣٣). ورفض خمسة من الأشراف الذين أدينوا بتهمة الاشتراك المزعوم في مؤامرة قتل يوسف أن يبرحوا السجن حتى تعلن براءتهم رسمياً.
وكان لمشهد ضحايا عداء بومبال المفرج عنهم، ولنبأ تحريق تريفاريا، أرثهما في تفاقم كره الشعب لبومبال إلى حد لم بعد يجرؤ فيه على الظهور علانية. وفي أول مارس أرسل إلى الملكة ماريا كتاباً يستقيل فيه من جميع وظائفه ويستأذن في الاعتكاف في ضيعته بمدينة بومبال. وطالب