من القوة ما يكفي لإرهاب الشعب وتحدي الدولة. فلما ظهرت فلول لليهودية بسبب تراخي البوربون قطع ديوان التفتيش دابرهم بإحراقهم علناً. وعلى مدى سبع سنوات (١٧٢٠ - ٢٧) أدان الديوان ٨٦٨ شخصاً، اتهم ٨٢٠ منهم بأنهم يبطنون اليهودية، وأحرق ٧٥، وزج غيرهم في سفن تشغيل العبيد أو أكتف بجلدهم (٩). وفي ١٧٢٢ أظهر فليب الخامس تبنيه لأساليب الحياة الأسبانية إذ ترأس مهرجاناً فخماً لإحراق المهرطقين، أحرق فيه تسعة منهم احتفالاً بمقدم أميرة فرنسية إلى مدريد (١٠). أما خلفه فرديناند السادس فقد أبدى روحاً أكثر اعتدالاً، ففي عهده (١٧٤٦ - ٥٩) أحرق عشرة "فقط" أحياء، وكلهم من اليهود "المرتدين (١١) ".
ومارس ديوان التفتيش رقابة خانقة على كل ضروب النشر. وقد قدر راهب دومنيكي أن المطبوع في أسبانيا خلال القرن الثاني عشر كان أقل من المطبوع في القرن السادس عشر (١٢). وكان أكثر الكتب دينياً، وأحبها الشعب بوصفها هذا. وكانت الطبقات الدنيا أمية، ولم تشعر بحاجة للقراءة أو الكتابة. وكانت المدارس في قبضة رجال الدين، ولكن آلافاً من الأبرشيات كانت خلواً من المدارس. أما الجامعات الأسبانية التي كانت يوماً ما جامعات عظيمة فقد تخلفت تخلفاً شديداً عن نظيراتها في إيطاليا أو فرنسا أو إنجلترا أو ألمانيا في كل ناحية إلا اللاهوت التقليدي. وكانت مدارس الطب فقيرة، رديئة الإعداد بالأساتذة، ناقصة الأجهزة، واعتمد العلاج على الحجامة، وإعطاء المسهلات، والاستعانة ببركات القديسين، والصلاة. وكان الأطباء الأسبان خطراً على حياة الناس. كان العلم علم العصر الوسيط، والتاريخ أساطير، وزكت الخرافة وكثرت النذر والمعجزات. وظل الإيمان بالسحر إلى نهاية القرن، وظهر بين الأهوال التي صورها الرسام جويا.
تلك كانت أسبانيا التي قدم البوربون من فرنسا ليحكموها.