بكثير، وانتشرت صورها وتماثيلها في كل مكان، وكان النساء يخطن الأرواب لتماثيلها في شغف، ويتوجن رأسها بالأزهار النضرة، وفي أسبانيا أكثر من غيرها ارتفع صوت الشعب مطالباً بجعل، "حملها غير الدنس"-أي خلوها من لوثة الخطيئة الأصلية-جزءاً من العقيدة المحددة المشترطة. وكان الرجال يساوون النساء تمسكاً بأهداب الدين. فكثير من الرجال، كالنساء، كانوا يختلفون إلى القداس يومياً. وكان الرجال من الطبقات الدنيا يجلدون أنفسهم في بعض المواكب الدينية (حتى حرم هذا الجلد في ١٧٧٧) في حبال فيها عقد تنتهي بكرات من الشمع تحوي زجاجاً محطماً، وزعموا أنهم يفعلون هذا برهاناً على حبهم لله أو مريم أو امرأة ما، ورأى بعضهم أن هذا القصد مفيد للصحة (٧) وأنه يهدئ من شبق إيروس.
وكانت المواكب الدينية كثيرة، مثيرة، غنية بالألوان، وقد شكا ظريف من أنه لم يستطع أن يخطو في مدريد خطوة دون أن يصادف المشهد المريب، وكان في الامتناع عن الركوع إذا مر الموكب مجازفة بالاعتقال أو الاعتداء. فحين قام أهل سرقسطة بثورة عام ١٧٦٦ وراحوا ينهبوا ويسلبون ظهر موكب ديني على رأسه الأسقف يحمل بين يديه القربان المقدس، فكشف العصاة رؤوسهم وجثوا في الشوارع، فلما عبر الموكب استأنفوا سلب المدينة (٨). وكانت كل مصالح الحكومة تشارك في موكب "عيد القربان" العظيم، يتقدمهم الملك أحياناً. وكانت مدن أسبانيا تجلل بالسواد طوال أسبوع الآلام، والملاهي والمقاهي تغلق، والكنائس تغص بالعابدين، والمذابح الإضافية تقام في الميادين العامة استجابة لتدفق التقوى والورع. ففي أسبانيا كان المسيح ملكاً، ومريم ملكة، والإحساس بالحظرة الإلهية في كل لحظة من لحظات اليقظة، جزءاً من صميم الحياة.
وزكت طائفتان دينيتان أكثر من غيرهما في أسبانيا. فسيطر اليسوعيون على التعليم بفضل علمهم ولباقته في الحديث وأصبحوا آباء الاعتراف للأسرة المالكة. أما الدومنيكان فسيطروا على ديوان التفتيش، ومع أن هذه المؤسسة كانت قد ودعت عصرها الذهبي منذ أمد بعيد، فقد بقي لها