للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا من النقد في كل أرجاء أوربا (٥٢) ما مهد الطريق لإلغاء ديوان التفتيش الأسباني في ١٧١٣.

ومع ذلك ظلت حرية الفكر إذا أعرب صاحبها عنها حتى في عهد شارل الثالث تعاقب قانوناً بالموت. ففي ١٧٦٨ أتهم بابلو أولافيدي أمام ديوان التفتيش بحيازته صوراً بذيئة في بيته بمدريد، وربما كانت نسخاً من عرايا بوشيه، لأن أولافيدي كان قد جاب فرنسا حتى فرنيه. ثم رمي بتهمة أخطر في ١٧٧٤، هي أنه لم يسمح بإقامة أديرة في القرى النموذجية التي أنشأها في سييرا مورينا، وأنه حظر على الكهنة تلاوة القداس في غير يوم الأحد أو طلب الصدقات. وأحاط ديوان التفتيش الملك بأن هذه الجرائم وغيرها قد أثبتت بشهادة ثمانين شاهداً. وفي ١٧٧٨ أستدعي أوفلافيدي لمحاكمته وأتهم بتأييده نظرية كوبرنيق الفلكية وتراسله مع فولتير وروسو. فرجع الرجل عن أخطائه وتصالح مع الكنيسة، وصودرت كل أملاكه، وحكم عليه بالحبس في دير ثمانية أعوام. وفي ١٧٨٠ تداعت صحته، وسمح له بالاستشفاء بمياه منتجع معدني في قنلونيه، ومنها فر إلى فرنسا، حيث أستقبله أصحابه الفلاسفة في باريس استقبال الأبطال. ولكنه لم يقضِ في منفاه بضع سنوات حتى استبد به الحنين إلى مغانيه الأسبانية. فألف كتاباً مشرباً بروح التقوى عنوانه "الإنجيل المنتصر أو الفيلسوف المهدي" وعليه أذن ديوان التفتيش بعودته (٥٣).

ونلاحظ أن محاكمة أوفلافيدي جرت بعد سقوط أراندا من رآسة مجلس قتشتالة وفي أخريات حكم أراندا أنشأ مدارس جديدة يقوم بالتدريس فيها أكليروس غير رهباني لملء الفراغ الذي خلفه اليسوعيون، وأصلح العملة بإحلال نقود من نوع جيد وتصميم أرقى محل العملات الممزوقة (١٧٧٠). على أن إحساسه باستنارته الفائقة جعله بمضي الزمن نزقاً متغطرساً وقحاً. فبعد أن جعل سلطة الملك مطلقة سعى إلى تقييدها بزيادة نفوذ الوزراء. وفقد القدرة على الرؤية المتناسية وتقدير الأمور في أوضاعها الصحيحة، وحلم بإخراج أسبانيا بعد جيل واحد من كتلتها المطمئنة إلى تيار الفلسفة