نقاء دمائهم. وحين ولي شارل العرش كان الديوان يسيطر على عقل أسبانيا برقابة صارمة ساهرة. فأي كتاب تظن به الهرطقة الدينية أو الانحراف الخلقي يقدم إلى الفاحصين، فإذا رأوه خطراً بعثوا بتوصياتهم إلى مجلس ديوان التفتيش، وللمجلس سلطة الأمر بمصادرة الكتاب وعقاب مؤلفه. وكان الديوان يصدر دورياً فهرساً بالكتب المحرمة، وكان إحراز كتاب منها أو قراءته دون إذن كنسي جريمة لا يغتفرها إلا ديوان التفتيش، وقد يعاقب مرتكبها بالجرم. وكان على القساوسة خصوصاً في الصوم الكبير أن يسألوا جميع المعترفين بذنوبهم أن كانوا يملكون أو يعلمون أن إنساناً يملك كتاباً محظوراً. وكل مقصر في الإبلاغ عن انتهاك للفهرس يعتبر مذنباً كمنتهكه، وما كان لأية روابط أسرية أو علاقات ودية أن تعفيه من العقاب (٤٨).
ولم ينجز وزراء شارل في هذا المضمار سوى إصلاحات صغيرة. ففي ١٧٦٨ حد من سلطة الديوان في رقابة المطبوعات باشتراط الحصول على التصديق الملكي على جميع المراسيم المحرمة للكتب قبل تنفيذها. وفي ١٧٧٠ أمر الملك محكمة الديوان بأن تقتصر على الهرطقة والارتداد دون غيرهما، وإلا تسجن إنساناً ما لم يثبت ذنبه على نحو قاطع. وفي ١٧٨٤ أمر بأن تعرض عليه إجراءات الديوان الخاصة بكبار النبلاء، وأعضاء مجلس الوزراء والموظفين الملكيين، لمراجعتها. ثم عين رئيساً عاماً للديوان أبدى موقفاً أكثر تحرراً بازاء خلافات الفكر (٤٩).
وكان لهذه الإجراءات المتواضعة بعض الأثر، لأن الرئيس العام لديوان التفتيش قرر في حزن أن الخوف من اللوم الكنسي على قراءة الكتب المحرمة يكاد يصبح في خبر كان (٥٠)، وكان وكلاء الديوان بعد ١٧٧٠ بوجه عام أقل غلواً، وعقوباته أرحم من ذي قبل. ومنح التسامح الديني للبروتستنت في عهد شارل الثالث، وللمسلمين في ١٧٧٩، وأن لم يمنح لليهود (٥١). وفي عهد شارل الثالث أحتفل بإحراق المنحرفين أربع مرات، آخرها عام ١٧٨٠ في إشبيلية حين أحرقت عجوز اتهمت بالسحر، وأثار إعدامها