رجلاً أستسلم للنوم على مكتبة بينما العفاريت تحوم حول رأسه: وعلى المكتب عبارة تقول "حلم العقل يبعث العفاريت". وقد فسر جويا هذا بأن "الخيال إذا هجره العقل أفرخ العفاريت، وإذا اتحد بالعقل كان خالق الفنون ومبدع أعاجيبها (١١٤) ". وهذه طعنة للخرافات التي أظلمت عقل أسبانيا، ولكنها كذلك وصف انصف إن جويا. فلقد كانت الأحلام المرعبة لا تبرحه، "ونزواته" على الأخص تمتلئ بمناظرها المروعة. هناك ترى جسد الإنسان وقد انحط إلى عشرات الأشكال الوارمة، العجفاء، الكسيحة، الوحشية، والبوم والقطط تنظر إلينا شزراً، والذئاب والنسور تجوس خلسة، والساحرات يطرن في الهواء، والأرض تبعثرت فيها الجماجم وعظام السيقان وجثث الأطفال حديثي الولادة حديثي الموت. وكأنما قفز خيال هيرونيموس بوش المريض عبر فرنسا متخطياً القرون ليدخل عقل جويا ويشيع فيه الفوضى.
أكان جويا عقلانياً؟ كل ما نستطيع أن نقوله هو أنه فضل العقل على الخرافة. ففي أحد رسومه صور شابة مكللة بالغار ممسكة بميزان تطارد طيور سوداء بالسوط، وتحت الصورة كتب جويا "أيها العقل المقدس لا تبق على أحد (١١٦) ". وفي رسم أخر رهبان يجردون أنفسهم من أرديتهم (١١٧)؛ وقد ركب على جسد راهب يصلي وجه مجنون (١١٨). وصور "محكمة ديوان التفتيش (١١٩) " مشهداً كئيباً من ضحايا مساكين تحاكمهم سلطة باردة الشعور. وصور يهودياً مقيداً بالأغلال في زنزانة التفتيش، وكتب هذا التعليق "أي زاباتا، أن مجدك سيدوم إلى الأبد (١٢٠) ". أكان هذا صدى لكتاب فولتير "أسئلة زاباتا"؟ وقد رسم تسعاً وعشرين لوحة لضحايا التفتيش يعانون شتى العقوبات (١٢١)، وفي أخرهم رسم إنساناً مبتهجاً فوق هذا العنوان "الحرية المقدسة! "(١٢٢) ومع ذلك ظل إلى يوم مماته يرسم علامة الصليب على وجهه في روع، ويدعو المسيح والقديسين ويتوج رسائله برسم الصليب، وربما كانت هذه كلها أثار متخلفة من عادات كونها في صباه.