والآخر إلى فرنسا، ونصب أخاه جوزف ملكاً على أسبانيا. وتجمع حشد غاضب أمام القصر الملكي. وأمر جنده بأن يخلوا الميدان، ففر الجمع، ولكنه عاد إلى الاحتشاد حتى بلغوا عشرين ألفاً في ميدان مايور. فلما زحف الجنود الفرنسيون والمماليك نحو الميدان أطلقت عليهم النيران من النوافذ والبواكي. فاشتد غضبهم، واقتحموا البيوت وراحوا يقتلون أهلها دون تمييز. ودارت بين الجند والجماهير معركة امتدت طوال النهار، هو يوم مايو الأشهر (٢ مايو ١٨٠٨)، وسقط مئات الرجال والنساء صرعى، وشهد جويا من موضع قريب شطراً من المذبحة (١٢٣). وفي ٣ مايو أعدم ثلاثون من السجناء الذين قبض عليهم الجند بواسطة فرقة لإطلاق النار. وأعدم كل أسباني أمسك متلبساً ببندقية في يده. وهبت أسبانيا الآن كلها تقريباً ثائرة على الفرنسيين، وسرت "حرب التحرير" من إقليم لإقليم. ولطخت الطرفين بما اقترفا من فظائع وحشية وشهد جويا بعضها ولم تبرحه ذكراها حتى يوم مماته. وفي ١٨١١ كتب وصيته مخافة أن يتفاقم سوء الحال. وفي ١٨١٢ ماتت خوزيفا. وفي ١٨١٣ استولى ولنجتن على مدريد، وعاد فرديناند السابع إلى عرشه.
واحتفل جويا بانتصار أسبانيا برسم لوحتين من أشهر لوحاته (١٨١٤)(١٢٤). إحداهما "يوم مايو" أعاد فيها يناء ما رأى أو سمع أو تخيل من المعركة الناشبة بين جماهير مدريد وجنود الفرنسيين والمماليك. فوضع المماليك في القلب، لأن اشتراكهم في القتال هو الذي أثار أبلغ استنكار في الذاكرة الأسبانية. ولا داعي للسؤال هل كانت الصورة تاريخاً صحيحاً، فهي فن رائع قوي، ابتداء من تدريجات الألوان التي تومض على جواد المملوك المجند وانتهاء بوجوه الرجال الذين روعهم ووحشهم الاختيار بين أن يقتلوا أو يُقتلوا. وأنصع من هذه اللوحة، اللوحة الأخت "الرمي بالنار في الثالث من مايو"- وفيها فرقة لحملة البنادق الفرنسيين يعدمون السجناء الأسبان. وليس في فن جويا ما هم أبلغ وقعاً في النفس من التباين بين الرعب والتحدي في الشخصية الوسطى في تلك المذبحة.