"في النهار يسود روما هدوء معتدل، أما في الليل فإن الشيطان ينطلق من عقاله. ونتيجة للحرية الكبيرة التي تسود هنا، ولعدم وجود أي نوع من أنواع الشرطة، يتصل الشجار وضرب النار وإطلاق الصواريخ والألعاب الناري في جميع الشوارع الليل كله .. والجماهير عاصية لا تخضع لسلطان، قد أعيا الحاكم كثرة النفي والشنق"(١١).
كانت روما مدينة تتسم بطابع العالمية أكثر حتى من باريس-يختلط فيها الفنانون والطلاب والشعراء والسياح بالأحبار والأميرات في الصالونات وقاعات الفن والمسارح.
هنا كان فنكلمان ومنجز يبشران بإحياء الطراز الكلاسيكي، وهنا كان الباباوات المرهقون المحاصرون يكافحون لتهدئة ثائرة الجماهير التي طحنها الفقر بالخبز والبركات الروحية، ولتعطيل السفراء الذين يلحون في إلغاء الطائفة اليسوعية والحفاظ على صرح المسيحية المعقد بأسره من الانهيار تحت وطأة التقدم العلم وهجمات الفلسفة.
ولكن لنمضي قدماً مع جيته إلى نابلي. لقد خيل إليه أنه لم يشهد قط مثل هذه الفرحة بالحياة:
"إذا كان في استطاعة المرء وهو في روما أن يعكف من فوره على الدراسة، فليس في استطاعته هنا أن يفعل شيئاً إلا أن يعيش. فأنت تنسى نفسك والعالم، وأنا عن نفسي أجده شعوراً غريباً أن أتنقل من قوم لا يفكرون إلا في الاستمتاع بالحياة … عنا لا يعرف الناش شيئاً بعضهم عن بعض. وقلما يلحظون أن غيرهم يسيرون أيضاً في طريق سيرهم جنباً إلى جنب معهم. وهم يجرون سحابة نهارهم خلفاً وأماماً في فردوس دون أن يلتفتوا حولهم، ولو بدأ فكا الجحيم المجاوران ينفتحان ويثوران، فإنهم يستنجدون بالقديس يتيواريوس (١٢).
وكان الدوق كارلوس بعد رحيله عن نابلي قاصداً أسبانيا في ١٧٥٩