القرن عن شريف ميلاني. وقد كان هذا الشريف-تشزاري بونيزانا، مركيز بكاريا، نتاج اليسوعيين والفلاسفة الفرنسيين. ومع أنه وهب من الثراء ما يسمح له بحياة التبطل فإنه كرس نفسه بغيرة لا تفتر لحياة التأليف الفلسفي والإصلاح العملي. وقد أمسك عن مهاجمة دين الشعب؛ ولكنه تصدى رأساً للظروف الفعلية للجريمة والعقاب. وقد صدمه أن يرى قذارة السجون الميلانية التي كانت مرتعاً للأمراض، وأن يسمع من السجناء كيف ولم اعتادوا الإجرام وكيف حوكموا على جرائمهم. وأفزعه أن يكتشف مخالفات صارخة في الإجراءات القضائية، وألواناً من التعذيب الوحشي للمشبوهين والشهود، وضروباً من التعسف في الأحكام سواء بالتشديد أو التخفيف، وألواناً من القسوة الضاربة في العقاب. وحوالي ١٧٦١ انضم إلى بييتروفيري في جمعية سمياها "البونيات"(قبضات الأيدي) -نذرت نفسها للعمل والفكر معاً. وفي ١٧٦٤ بدءا مجلة "المقهى" محاكاة لمجلة أديسون "سيكتير"، وفي ذلك العام نشر نيكاريا بحثه التاريخي "بحث في الجرائم والعقوبات".
وفي مستهل كتابه أعلن غي تواضع أنه يتأثر بخطى "روح القوانين" الذي ألفه "الرئيس الخالد" لبرلمان بوردو، فالقوانين يجب أن ترسي على العقل، ورائدها الأساسي ليس الانتقام من الجريمة بل حفظ النظام الاجتماعي، وينبغي أن تستهدف دائماً "أوفر سعادة موزعة على أكبر عدد (٣٣) ". هنا قبل بنتام بخمسة عشر عاماً، نجد المبدأ الشهير لأخلاقيات مذهب المنفعة. واعترف بكاريا بصراحته المعهودة بتأثره بهلفتيوس، الذي أورد الصيغة ذاتها في كتابه "في الروح"(١٧٥٨). (وكان قد صدر في سلسلة فرانسس هتشسن "أفكار في الجمال والفضيلة"(١٧٢٥). وقال بكايا أن توسع التعليم وتعميقه أملاً في الحد من الجرائم أصوب لمصلحة المجتمع من الالتجاء إلى عقوبات فد تحول شخصاً أجرم عرضاً من مخالطته المجرمين إلى مجرم عريق. فالواجب أن يكون لكل متهم الحق في محاكمة عادلة وعلنية أما قضاة أكفاء يتعهدون بالحياد والنزاهة. ويجب أن تقفو المحاكمة الاتهام سريعاً؛ وأن يكون العقاب متناسباً مع