والشوارع كلها مرصوفة بالحجارة والآجر … والشارع الرئيسي في المدينة مرصوف منه على الجانبين مسافة قدرها عشر خطوات، أما ما بينهما فمملوء بالحصباء الصغيرة ومن تحتها مصارف مقبية تجري فيها مياه الأمطار تنقلها إلى القنوات المجاورة بحيث يبقى الشارع جافاً على الدوام. والمركبات لا ينقطع مرورها على هذه الحصباء جيئة وذهاباً. وهي طويلة الشكل مغطاة من أعلاها، ولها ستائر ووسائد من الحرير وتتسع لستة أشخاص، يستأجرها أهل المدينة رجالاً كانوا أو نساء ممن يميلون إلى التنزه والاستمتاع بركوبها …
ومن حول الأماكن في جميع الجهات مسارح لصيد الحيوان على اختلاف أنواعه … ولا يبعد البحر عن المدينة أكثر من خمسة عشر ميلاً، وتحمل إليها منه في كل يوم عن طريق النهر كميات كبيرة من السمك … وإذا رأى الإنسان هذا السمك حين يأتي إلى المدينة ظن أول وهلة أنه لن يباع كله فيها، ولكنه لا تمضي على مجيئه إليها إلا ساعات قليلة حتى يباع عن آخره وذلك لكثرة من فيها من السكان … والشوارع المتصلة بالسوق كثيرة العدد وفي الكثير منها حمامات باردة يشرف عليها خدم وخادمات. وقد اعتاد من يتردد عليها من رجال ونساء أن يستحموا فيها بالماء البارد منذ صغرهم لاعتقادهم أن الاستحمام بالماء البارد مفيد لأجسامهم. ولكن هذه الحمامات قد أعدت بجوارها مع ذلك حجرات مجهزة بالماء الساخن ليستحم فيها الغرباء الذين لا يتحملون الماء البارد. ومن عادة الأهلين كلهم أن يغتسلوا في كل يوم وخاصة قبل وجبات الطعام …
وخصصت في شوراع أخرى من المدينة أحياء للعاهرات وهن يبلغن من الكثرة حداً لا أجرؤ على ذكره … وهؤلاء النسوة يلبسن الملابس الجميلة، ويتعطرن، ويسكن في بيوت جميلة الأثاث، ويقوم على خدمتهن كثيرات من الخادمات.