وفي شوارع أخرى يقيم الأطباء والمنجمون … وقد أنشئت على جانبي شارع المدينة الرئيسي بيوت وقصور رحبة … وأهل المدينة كلهم رجالاً كانوا أو نساء بيض الوجوه على جانب كبير من الجمال، يرتدي معظمهم ملابس من الحرير … والنساء ذوات جمال بارع ويُعَوَّدْنَ من صغرهن الرقة والنحافة، وليس في وسع من لم يشهد هؤلاء النسوة أن يتصور ما يتحلين به من حرير وجواهر (٣).
وقد أعجب ماركو بولو بمدنية بيجنج (أو كمبلوك كما كانت تسمى وقتئذ) أكثر من إعجابه بهانجتشاو نفسها، فهو إذا ما تحدث عنها عجزت ملايينه عن وصف ثروتها وتعداد عامرها. وكانت ضواحي المدينة الاثنتي عشرة أجمل منها نفسها، ذلك لأن رجال الأعمال قد شادوا في هذه الضواحي كثيراً من البيوت الجميلة (٤). وكان في المدينة نفسها كثير من الفنادق وآلاف المتاجر الثابتة والمتنقلة. وكان الطعام فيها على اختلاف أنواعه موفوراً، وكان يدخلها في كل يوم ألف حمل من الحرير الخام لتصنع منه الملابس لأهلها. وقد كان للخان قصور في هانجتشاو وشانجتو وغيرهما من المدن ولكن أكبر قصوره كان في بيجنج نفسها. وكان يحيط بهذا القصر سور من الرخام ويصعد إليه بدرج من الرخام أيضاً. وكان مبناه الرئيسي كبيراً "يتسع لأن تمد فيه موائد الطعام لجماعات كبيرة من الناس". وقد أعجب ماركو بتنظيم الغرف، وبنوافذها البراقة الدقيقة الشفافة، وبما يغطي سقفها من قرميد مختلف الألوان. ويقول أنه لم ير في حياته مدينة في مثل غناها ولا مَلِكاً في عظمة ملكها (٥).
وما من شك في أن الشاب البندقي قد تعلم اللغة الصينية حتى استطاع أن يتحدث بها ويقرأها. ولعله عرف من المؤرخين الرسميين كيف فتح كوبلاي وأسلافه المغول بلاد الصين. وكان سبب غزوات المغول أن ما أصاب الأقاليم الممتدة بإزاء حدود الصين الشمالية الغربية من جفاف قد أحالها صحراء جدباء