للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طريق البراتر الذي يحفه الشجر، والتنزه في الريف، أو-في أدنى طبقاتهم-طرب لمرأى المعارك الضارية تنظيم بين حيوانات تتضور جوعاً. وأجمل منه هذه الرقصات لا سيما المنويت التقليدية، ففي هذه الرقصة نادرا ما كان الرجل والمرأة يتلامسان، فكل حركة تحملها التقاليد والقاعدة، وتؤدي بانضباط ورشاقة. أما الموسيقى فكان نصيبها في حياة فيينا من البر بحيث تطالبنا بتناولها في فصل خاص بها.

وبالقياس إلى هذا كله كان الأدب ضعيفاً فجاً. فلم يكن للنمسا التي سيطرت عليها المقدسات نصيب في حركة "شتورم فوند درانج" التي أثارت ألمانيا. ولم تكن ماريا تريزا راعية للعلم ولا للأدب البحت. ولم يكن في فيينا صالونات أدبية، ولم يختلط المؤلفون والفنانون والفلاسفة بالنساء والنبلاء والساسة كما في فرنسا. لقد كان مجتمعاً ساكناً، فيه ما في أساليب العيش القديمة المحسوبة من سحر وراحة، أنقذ من ضجيج الثورة وعجيجها ولكن أعوزته فتنة الأفكار المتحدية. وكانت صحف فيينا الخاضعة لرقابة دقيقة عوائق غبية للفكر، وربما باستثناء "الفيير تسايتونج" التي أسست في ١٧٨٠. أما مسارح فيينا فكان ديدنها الأوبرا للأرستقراطية والبلاط، أو الملاهي الغليظة لعامة الشعب. كتب ليوبولد موتسارت يقول إن "شعب فيينا في جملته لا يشعر بالحب لأي شيء جاد أو معقول، بل إن أفراده لا يفهمونه. وفي مسارحهم البراهين الوفيرة على أن الهراء المطلق دون غيره هو الذي يرضيهم-كالرقصات والمنوعات المسرحية الخفيفة (البرلسك) والتهريجات وحيل الأشباح وألاعيب الشيطان" (١٩). ولكن بابا مونسارت كان قد خيب أمله استقبال فيينا لولده.

هذا الخليط من الممثلين والموسيقيين والعامة والأقنان والبارونات ورجال البلاط والكنيسة حكمته الإمبراطورة العظيمة بسهر الأم واهتمامها الشديد. وكان زوجها فرانسوا اللوريني قد توج إمبراطوراً في ١٧٤٥، ولكن مواهبه وجهته إلى التجارة لا الحكم. فنظم الصناعات، وزود الجيوش النمساوية بالحلل والخيول والسلاح، وباع الدقيق والعلف لفردريك