وكبريائه، ولكنه ترعرع وأصبح فتى وسيماً يقظاً لم تباعد أخطاؤه بعد بينه وبين أمه. فكان في أسفاره يكتب لها رسائل تفيض رقة بنوية حارة.
فلما بلغ العشرين عين عضوا في مجلس الدولة (شتاتسرات). ولم يلبث (١٧٦١) أن وضع ورقة تحمل أفكاره في الإصلاح السياسي والديني وقدمها إلى أمه، وظلت هذه الأفكار جوهر سياساته إلى نهاية حياته. وقد أشار على الإمبراطورة بأن تنشر التسامح الديني في ربوع مملكتها، وتقلص سلطة الكنيسة، وتخفف عن الفلاحين أعباء الإقطاع، وتسمح بحرية أكبر في انتقال السلع والأفكار. (٢٤) وطلب إليها أن تقلل من نفقة البلاط ومراسمه، وتزيد من نفقة الجيش. وقال إن على كل عضو في الحكومة أن يعمل ليستحق راتبه، وإن من الواجب فرض الضرائب على الإشراف شأنهم شأن سائر الشعب. (٢٥)
وكان أثناء ذلك يتعلم جانباً آخر من الحياة. ذلك أن لويس الخامس عشر كان قد عرض حفيدته إيزابللا البارسية عروساً تصلح للدوق الأكبر، كجزء من اتفاق عكس الأحلاف. وبدأ أن الحظ حالف يوزف: فإيزابللا فتاة في الثامنة عشر جميلة ذات خلق طيب باستثناء ميلها للاكتئاب. وفي ١٧٦٠ جاءت عبر الألب في قافلة يجرها ثلاثمائة جواد. واحتفل بالزفاف في مهرجان باذخ، وسعد يوزف بأن يجد بين ذراعين مخلوقاً بهذا الحسن. ولكن إيزابللا كانت عميقة الإيمان باللاهوت الذي تلقته، ولم تجد لذة في كل الهبات التي حبتها بها الحياة، بل تاقت إلى الموت. كتبت إلى أختها في ١٧٦٣ تقول "أن الموت رحيم، ولم أفكر فيه يوماً أكثر مما أفكر فيه الآن. وكل شيء يوقظ في الرغبة في أن أموت سريعاً. علم الله كيف أتمنى أن أترك حياة تهينه تعالى كل يوم … ولو كان مسموحا للمرء أن يقتل نفسه لما ترددت في ذلك"(٢٦). وفي نوفمبر ١٧٦٣ أصيبت بالجدري، ولم يبد منها أي تشجيع للأطباء الذين حاولوا شفاءها، فما انقضت خمسة أيام حتى ودعت الحياة. أما يوزف الذي أحبها عميقاً فلم يفق من هذه اللطمة.