"الهارمونيكا الزجاجية أو الكؤوس الموسيقية" كانت قد أدخلت في دبلن قبل سنتين. واستحضر جلوك الأنغام بلمس حواف الكؤوس بإصبعه المبللة. واستهوى الحفل (٢٣ إبريل ١٧٤٦) أصحاب الفضول، فكرر بعد أسبوع.
وغادر جلوك لندن قاصداً باريس في ٢٦ ديسمبر وهو مبتئس بهذا النجاح. وهناك درس أوبرات رامو الذي كان قد اتجه إلى الإصلاح بإدماج الموسيقى والباليه بالحركة. وفي سبتمبر قاد الأوبرات في همبورج واتصل في علاقة غرام مع مغنية إيطالية وأصيب بالزهري. وكان شفاؤه بطيئاً جداً، حتى أنه حين ذهب إلى كوبنهاجن كان عاجزاً عن قيادة الأوركسترا. ثم عاد إلى فيينا، وتزوج ماريان برجيا (١٥ سبتمبر ١٧٥٠) ابنة تاجر غني. وقد منحه صداقها الأمن المالي فاتخذ بيتاً في فيينا، واختفى عن الأنظار في استجمام طويل.
وفي سبتمبر ١٧٥٤ عينه الكونت مارتشالو دوراتزو قائداً للأوركسترا نظير ألفي فلورن في العام ليلحن للبلاط. وكان دواتزو قد مل الأوبرا الإيطالية التقليدية، فتعاون مع جلوك في دراما موسيقية سميت L'innocenza Giustificata ( البراءة المبررة) لم تكن القصة مجرد تكئة للموسيقى، ولا موسيقى مجرد تجميع الألحان، إنما الموسيقى تعكس الحركة، والألحان حتى الكوراس-تدخل في الحبكة دخولاً فيه شيء من المنطق. وهكذا كانت حفلة الافتتاح (٨ ديسمبر ١٧٥٥) البشير والنتاج الأول للإصلاح الذي يقرن التاريخ بينه وبين اسم جلوك. وقد رأينا في موضع سابق مساهمات بنديتو مارتشللو وجومللي وترايتا في هذا التطور، والنداء الذي وجهه روسو وفولتير والموسوعيون لربط أوثق بين الدراما والموسيقى. وكان مناستازيو قد أعان عليه بإصراره في إباء على أن الموسيقى يجب أن تكون خادمة للشعر (٤). وربما تأثر جلوك بشغف فنكلمان بإحياء المثل الإغريقية في الفن، وكان الملحنون يعرفون أن الأوبرا الإيطالية كمحاولة لإحياء الدراما الكلاسيكية التي أخضعت موسيقاها للتمثيلية وكان جان-جورج نوفير أثناء ذلك ينادي (١٧٦٠) بالتسامي بالباليه من مجرد الرقص الإيقاعي إلى الإيماء