كالصين متسعة الرقعة قليلة التماسك من الناحية الطبيعية تفصلها الجبال والصحراوات والبحار لا يمكن أن تخضع إلى ما شاء الله لحكومة واحدة. وقد كان المغول رجال حرب خيراً منهم رجال حكم وإدارة، ولذلك اضطر خلفاء كوبلاي خان أن يعودوا إلى نظام الامتحان وإلى الانتفاع بكفاية الصين الإدارية، ولم يحدث الفتح المغولي أثراً يذكر في عادات الصينيين وأفكارهم إلا ما عسى أن يكون قد أدخله في الأدب الصيني من الروايات والمسرحيات. وتزوج الصينيون مرة أخرى من فاتحيهم ومدنوهم وغلبوهم على أمرهم، حتى إذا كان عام ١٣٦٨ م تزعم أحد الكهنة البوذيين السابقين ثورة على هؤلاء الفاتحين ودخل بيكين منتصراً وأعلن نفسه أول إمبراطور من أسرة السنج (أي المتألقين). وجلس على العرش في الجيل التالي ملك قدير من ملوك هذه الأسرة، واستمتعت الصين في عهد يونج لو مرة أخرى بعهد جديد من عهود الرخاء، وعادت إلى تشجيع الفنون، بيد أن عهد الأسرة "المتألقة" انتهى مع ذلك بفترة من الفوضى والاضطراب والغزو الخارجي: وبينما كانت البلاد منقسمة إلى أحزاب متنافرة متعادية اجتاحتها جحافل جديدة من الغزاة الفاتحين واقتحمت السور العظيم وحاصرت بيكين. تلك هي جحافل المنشو.
وكان المنشو شعبا تنجوسياً ظل قروناً كثيرة يعيش في البلاد التي تعرف الآن باسم منشو كو (أي مملكة المنشو)، ومدوا فتوحهم في أول الأمر نحو الشمال حتى وصلوا إلى نهر عامور، ثم اتجهوا نحو الجنوب وهجموا على عاصمة الصينيين. وجمع آخر أباطرة المنج أسرته حوله وشرب نخبهم، وأمر زوجته أن تنتحر (١)، ثم شنق نفسه بمنطقته بعد أن كتب آخر أوامره على طية ثوبه: "نحن الفقراء في الفضيلة، ذوي الشخصية الحقيرة، قد استحققنا غضب الله العلي القدير.
(١) وصدعت بما أمرت، وتقول الروايات المأثورة إن الكثيرات من السراري قد حذون حذوها.