"لقد غرر بي وزرائي، وإني لأستحي أن ألقى في الآخرة آبائي وأجدادي، ولهذا فإني أخلع بيدي تاجي عن رأسي، وأنتظر وشعري يغطي وجهي أن يقطع الثوار أشلائي، لا تؤذوا أحداً من أبناء شعبي"(١٥). ودفنه المنشو باحتفال يليق بكرامته وأسسوا أسرة الشنج (الطاهرة) التي حكمت الصين حتى عهدنا الثوري الحاضر.
وسرعان ما أصبحوا هم أيضا صينيين واستمتعت البلاد تحت حكم كانج شي بعهد من الرخاء والسلم والاستنارة لم تعرف له مثيلاً في تاريخها كله. جلس هذا الإمبراطور على العرش وهو في السابعة من عمره، فلما بلغ الثالثة عشرة أمسك بيده زمام الأمور في إمبراطورية لم تكن تشمل وقتئذ بلاد الصين وحدها بل كانت تشمل معها بلاد المغول ومنشوريا وكوريا والهند الصينية وأنام والتبت والتركستان. وما من شك في أنها كانت أكبر إمبراطوريات ذلك العهد وأكثرها ثروة وسكاناً. وحكمها كانج شي بحكمة وعدل حسدها عليهما معاصراه أورنجزيب ولويس الرابع عشر. وكان الإمبراطور نفسه رجلاً نشيطاً قوي الجسم والعقل، ينشد الصحة في الحياة العنيفة خارج القصور ويعمل في الوقت نفسه على أن يلم بعلوم تلك الأيام وفنونها. وكان يطوف في أنحاء مملكته ويصلح ما فيها من العلوم حيثما وجدها، ومن أعماله أنه عدل قانونها الجنائي. وكان يعيش عيشة بسيطة ليس فيها شيء من الإسراف أو الترف، ويقتصد في نفقات الدولة الإدارية ويفخر بالعمل على رفاهية شعبه (١٦). وازدهرت الآداب والعلوم في أيامه بفضل تشجيعه إياها ومناصرتها؛ وعاد فن الخزف إلى أعلى ما وصل إليه في أيام مجده السابقة. وكان متسامحاً في الأمور الدينية فأجاز كل العبادات ودرس اللغة اللاتينية على القساوسة اليسوعيين، وصبر على الأساليب الغربية التي كان يتبعها التجار الأوربيون في ثغور بلاده. ولما مات بعد حكمه الطويل الموفق (١٦٦١ - ١٧٢٢) كان آخر ما نطق به هو هذه الألفاظ: "إني