الاكئتاب وسرعة الغضب والتشبث الرهيب بأهدب الدين. وحين زاره كاميل بلييل في ١٨٠٥ وجده "ممسكاً بمسبحة في يديه، وأعتقد أنه يقضي أكثر يومه في الصلاة، وهو لا يفتأ يقول أن نهايته قد دنت … ولم نطل المكث معه لأننا رأينا أنه يريد أن نصلي (٤٢). في ذلك العام انتشرت شائعة كاذبة زعمت أن هايدن مات. وكتب كيروبيني كنتاتا عن موته، وخططت باريس لحفلة موسيقية تذكارية يعزف فيها قداس موتسارت الجنائزية، ثم وصل نبأ بأن الشيخ ما زال على قيد الحياة. فلما سمع هايدن بالأمر قال معقباً "إذن لسافرت إلى باريس لأقود القداس الجنائزي بنفسي" (٤٣).
وظهر آخر مرة أمام الجمهور في ٢٧ مارس ١٨٠٩ حين رتلت "الخليقة" في جامعة فيينا احتفالاً بعيد ميلاده السادس والسبعين الوشيك. وأرسل الأمير استرهاتسي مركبته لنقل الرجل العاجز إلى الحفلة الموسيقية. وحمل هايدن على كرسي ذي مسندين إلى القاعة بين الجمهور من النبلاء ومشاهير القوم، ولفت الأميرات شيلانهن حول جسده المرتعش. وجثا بيتهوفن وقبل يده. وغلب التأثر المؤلف العجوز، ولم يكن بد من إعادته إلى بيته في فترة الاستراحة.
وفي ١٢ مايو ١٨٠٩ بدأت مدفعية نابليون تقصف فيينا. وسقطت قنبلة على مقربة من بيت هايدن فهزته هو وسكانه، ولكن هايدن قال ليطمئنهم "يا أبنائي لا تخافوا، فحيث يوجد هايدن لن يصيبكم سوء". وصدق قوله إلا عن نفسه، فقد حطم القصف جهازه العصبي. فلما استولى الفرنسيون على المدينة أمر نابليون بأن يرابط حرس شرف أمام بيت المؤلف. ورتل ضابط فرنسي عند دخوله لحناً من "الخلقية" بطريقة فيها كثير من الرجولة والسمو حتى أن هايدن عانقه وفي ٣١ مايو قضى نحبه وهو في السابعة والسبعين، وأقامت كبرى مدن أوربا كلها الصلوات تذكاراً له.
يقتصر إنجاز هايدن التاريخي على تطوير الأشكال الموسيقية. وقد أضفى على الأوركسترا حيوية جديدة بما أوجده من توازن بين الأوتار وآلات النفخ والنقر. وإذ بنى فوق جهود سامارتيني وشتامنز وكارل