المدينة بالقباب الضخمة والأروقة المعمدة الظليلة والمآذن الشامخة. وكان أحدها وهو الجامع الأزهر جامعة الإسلام الأولى، يؤمه على الطلاب ألفان أو ثلاثة من أقصى بقاع الأرض، من ماليزيا شرقاً إلى المغرب غرباً، ليتعلموا لغة القرآن وعلوم البلاغة والتوحيد والأخلاق والشريعة، وكان خريجو الجامعة يؤلفون جماعة العلماء، ومنهم يختار المعلمون والقضاة. لقد كان نظاماً وضع لسنية صارمة في الدين والأخلاق والسياسة.
وهكذا لم يكد يطرأ على الأخلاق أي تغيير من قرن إلى قرن. وكانت سن بلوغ الأحداث متقدمة عنها في الأقطار الشمالية، فتزوج كثير من البنات في الثانية أو الثالثة عشرة، وبعضهن في العاشرة، وبقاء الفتاة بغير زواج إلى السادسة عشرة كان عاراً. ولم يقدر على تعدد الزوجات الذي أباحته الشريعة الإسلامية إلا أغنياء القوم. أما الزوج الذي تخونه زوجته فلم يكن من حقه الشرعي أن يقتل هذه الزوجة المجرمة فحسب، بل كان يلقى التشجيع من الرأي العام (١٥). وكان الفكر الإسلامي، كالمسيحي، يعتبر المرأة مصدراً رئيسياً للشر، لا يمكن السيطرة عليه إلا بإخضاعها إخضاعاً صارماً. وكان الأطفال ينشأون على نظام الحريم، فيتعلمون أن يحبوا أمهم وأن يخشوا أباهم ويجلوه، وكانوا كلهم تقريباً يتعلمون ضبط النفس وحين الأدب (١٦). وساد حسن السلوك جميع الطبقات، مع شيء من يسر الحركة ورشاقتها، لعله أخذ عن النساء اللائي ربما اكتسبنه من حمل الأثقال على رءوسهن. وكان المناخ مانعاً من العجلة مشجعاً على الكسل.
ولم يمنع تعدد الزوجات البغاء، ففي استطاعة البغايا توفير الإثارة التي أخمدها طول الألفة. وتخصصت غواني مصر في الرقصات الفاجرة، وبعض الآثار القديمة تكشف عن قدم هذا الإغراء. وكانت كل مدينة كبرى تخصص للبغايا حياً يمارسن فيه حرفتهن دون خوف من عقاب القانون. وكانت النساء اللائي يحذقن الراقصات الفاجرة، شأنهن في جميع الحضارات،