يستأجرن لهز أجسادهن أمام محافل الذكور، وفي بعض الحالات كانت النسوة أيضاً يستمتعن بمشاهدة هذا الرقص (١٧).
أما الموسيقى فكانت تخدم الحب والحرب، فهي تستفز المهاجمين وتهدي المهزومين. وكان الموسيقيون المحترفون من الجنسين يؤتى بهم للترفيه. كتب إدوارد لين في ١٨٣٣ يقول "سمعت في القاهرة أعظم الموسيقيين شهرة وأطربتني أغانيهم أكثر من أي موسيقى أخرى استمتعت بها في حياتي (١٨). وكانت الآلة المفضلة هي "الكمنجة"، وهي ضرب من الفيولا النحيلة، ولها وتران من شعر الخيل على صندوق مصمت مصنوع من جوزة هند شقت بين وسطها ورأسها وغطيت بقشر سمك مشدود (١). وكان العازف يتربع ويسند طرف الآلة المدبب على الأرض، ويضرب أوتارها بقوس من شعر الحصان وخشب الدردار. أو قد يقعد العازف وفي حجره قانون كبير وينقر الأوتار بريشة من القرن ملصقة بسبابتيه. وتحول العود القديم الآن إلى شكل الجيتار. فإذا أضفت تاياً، وماندولينا، وطمبورينا، اكتمل لك أوركسترا يروق الذوق المتحضر، خيراً من تلك الموسيقى البدائية التي تهيج اليوم المحافل الغربية.
أما "دول البربر" أي البلاد التي زعموا أنها "بربرية" أو همجية-وهي طرابلس وتونس والجزائر ومراكش-فقد دخلت التاريخ في القرن الثامن عشر أولاً بفضل بطولات قراصنتها أو اغتيال "باياتها" أو "داياتها" وقد احتفظت هذه الحكومات باستقلالها الفعلي بإرسالها "الهدايا" بين الحين والحين إلى السلاطين بالآستانة. وكان قوت الشعب يأتي أكثره من الزراعة أو القرصنة، وكانت الفدية التي تؤدى على الأسرى النصارى جزءاً هاماً من الدخل القومي: غير أن قباطنة القراصنة كان أكثرهم نصارى (١٩). أما الفنون فظلت محتفظة بوجود قلق، ولكن البنائين المغاربة احتفظوا بقدر من المهارة أتاح لهم أن يزركشوا بالقرميد الأزرق والأخضر المتألق "باب منصور" الفخم الذي أضيف في ١٧٣٢ بوابة بقصر مولاي إسماعيل وجامعه الضخم
(١) الوصف ينطبق على الربابة لا على الكمنجة (المترجم).