يد الأفغانيين، فلم تجملها بعد ذلك غير بعض الآثار الفنية الصغيرة. وقد وصف اللورد كرزن مدرسة الشاه حسين (١٧١٤) بأصفهان-وكانت كلية لتدريب الدارسين والمحامين-بأنها "من أفخم الأطلال في فارس"(٢٥). وتعجب السيربرسي سايكس من "قرميدها البديع … ورسومها المخرقة الجميلة"(٢٦). وكان صناع القرميد لا يزالون أمهر صناعه في العالم بأسره، بيد أن افتقار الطبقات العليا نتيجة للحروب الطويلة قضى على سوق المهارة والتفوق وأكره الخزافين على الهبوط بفنهم إلى مستوى الصناعة. وصنعت أغلفة الكتب الفاخرة من الورق المعجن المصقول. وأنتج النساجون أقمشة مقصبة ومطرزة غاية في الرهافة. وظلت السجاجيد الفارسية تنسج للمحظوظين من شعوب كثيرة رغم أنها شهدت آخر أمجادها في عهد الشاه عباس الأول. وفي يوشاجان، وهراة، وكرمان، وشيراز على الأخص، كان النساجون ينتجون سجاجيد "لا يقلل من روعتها في عين الناظر إلا مقارنتها بأسلافها الكلاسيكية"(٢٧).
أما الشعر الفارسي فقد حطم الفتح الأفغاني قلبه، وتركه أخرس أو كالأخرس طوال حقبة العبودية التالية لهذا الفتح. وحوالي ١٧٥٠ صنف لطف على بك أدار-قاموساً بسير الشعراء الفرس، اختتم بستين من معاصريه. ومع هذه الوفرة الظاهرة فإنه آسف على ما رآه مجاعة في الكتاب المجيدين في عصره، وعزا ذلك إلى الفوضى والفقر السائدين، "واللذين استشريا بحيث لم يعد لإنسان رغبة في قراءة الشعر فضلاً عن قرضه"(٢٨). ونسوق هنا تجربة نموذجية للشيخ على خازن، الذي نظم أربعة دواوين من الشعر، ولكنه أمسك في حصار الأفغانيين لأصفهان، ومات كل أهل بيته في الحصار، وظل هو على قيد الحياة، ثم أفاق من محنته، وهرب من أنقاض المدينة التي كانت رائعة الجمال يوماً ما، وأنفق الأعوام الثلاثة والثلاثين الباقية من أجله في الهند. وقد خلد في "مذكراته"(١٧٤٢) ذكرى مائة شاعر فارسي في جيله، وأعظمهم في رأيه سيد أحمد هاتف الأصفهاني، ولعل أكثر قصائده ظفراً بالثناء تلك التي أكد فيها بوجد المتصوفة إيمانه بالله رغم الشك والدمار: