للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تقرأ الفرنسية، وكان للماسونية أتباع كثيرون في هذه الطبقة (١٣). أما سكان الريف وأكثر سكان المدن فكانوا يحيون في عالم فوق طبيعي قوامه التدين الذي يشيع فيه الخوف، يتخيلون الشياطين محيطة بهم، ويرسمون الصليب مراراً وتكراراً في اليوم، ويتضرعون للقديسين بالتشفع لهم، ويتعبدون لرفاتهم، يرهبون المعجزات، ويرتعدون فرقاً من النذر، ويخرون سجداً أمام الصور المقدسة، ويولولون بترانيم كئيبة تنطلق من صدور جهيرة. وكان للكنائس أجراس ضخمة قوية، وقد أقم بوريس جودونوف جرساً منها بلغ وزنه ٨٨٢. ٠٠٠ رطل، ولكن الإمبراطورة أنا إيفانو فينا بزته في هذا الميدان، إذ صب لها جرس يزن ٤٣٢. ٠٠٠ رطل (١٤). وعمرت الكنائس بالمصلين، وكانت الطقوس هنا أكثر مهابة ووقاراً والصلوات أكثر حماسة ووجدا منها في روما البابوية نصف الوثنية. أما القساوسة الروس-وكل منهم يلقب بالبابا-فكانت لهم لحي وشعر مرسل وأردية قاتمة تصل إلى أقدامهم (لأن مظهر السيقان يتعارض مع الكرامل والوقار). وقلما كانوا يختلطون بالنبلاء أو البلاط بل يعيشون في بساطة متواضعة، متبتلين في أديرتهم أو متزوجين في دورهم. وكان رؤساء الأديرة يحكمون الرهبان، والرئيسات يحكمن الراهبات؛ وكان الكهنة غير الرهبان يخضعون للأساقفة، وهؤلاء لرؤساء الأساقفة، وهؤلاء للمطارنة الإقليميين، وهؤلاء للبطريرك في موسكو؛ والكنيسة بجملتها تعترف برئيس الدولة رأساً لها. وخارج الكنيسة عشرات من الملل والنحل تتنافس في التصوف والتقوى والكراهية.

وأفاد الدين في بث ناموس أخلاقي حقق بالجهد خلق النظام وسط الدوافع القوية التي طبع عليها شعب بدائي. واتخذ نبلاء البلاط أخلاق الأرستقراطية الفرنسية وعاداتها ولغتها، وكانت زيجاتهم صفقات عقارية خفف من عبئها العشاق والخليلات. وكان نساء القصر أرقى تعليماً من رجاله، ولكنهن قد يتفجرن في لحظات الغضب بألفاظ حامية وعنف قاتل. أما عامة الشعب فكانت لغتهم سوقية غليظة، وكثر بينهم العنف، وكانت القسوة تتفق وقوة البدن وصفاقة الجلد. وكان كل إنسان يقامر ويسكر حسب طاقته،