ثم ترفقت بمن عارضوها من قبل. وقدم مونيش فروض الطاعة والولاء فصفحت عنه فوراً وعينته حاكماً على استونيا ولفونيا، وربما أعانتها هذه التدابير على الثبات فوق عرشها المهتز، ولكن أهم العوامل التي كانت عوناً لها هي شجاعتها وذكاؤها. ذلك أن سبعة عشر عاماً قضتها زوجة مهملة لوريث العرش علمتها رغم حيويتها الشابة قدراً من الصبر والحكمة وضبط النفس وخداع الحكم. وقررت الآن، في تحد لنصيحة بانين، وارتياب في ولاء مجلس الشيوخ ونزاهته وكفايته، أن تركز الحكم كله في شخصها، وأن تواجه ملوك أوربا المستبدين-باستبدادية تنافس جمع فردريك بين العسكرية والفلسفة. ولم تتخذ لها زوجاً. وإذ كان النبلاء يسيطرون على مجلس الشيوخ، فقد كان الخيار بين أوتقراطية الملكة والاستبدادية المجزأة للسادة الإقطاعيين، وهو بالضبط الخيار الذي واجهه ريشلو في فرنسا للقرن السابع عشر.
وأحاطت كاترين نفسها بالكفاءة من الرجال، واكتسبت ولاءهم، بل حبهم في كثير من الحالات، ألزمتهم للعمل الشاق، ولكنها أجزلت لهم العطاء، ولعلها غالت في مكافآتهم، فقد أصبح بهاء بلاطها وبذخه عبئاً كبيراً على مواردها. وكان بلاطاً غير متجانس، مؤصلاً في البربرية ومصقولاً بالثقافة الفرنسية، ومحكوماً بامرأة ألمانية تفوق مساعديها تعليماً وذكاءاً. وقد أثمرت مكافآتها السخية للخدمات الاستثنائية المنافسة دون أن تكبح جماح الفساد. فكان الكثيرون من بطانتها يأخذون الرشا من الحكومات الأجنبية، واتخذ بعضهم موقف الحياد بقبول الرشا من طرفين متعارضين. وفي ١٧٦٢ أذاعت كاترين على الأمة اعترافاً غير عادي، فقالت:
"أننا نعده واجباً أساسياً وضرورياً أن نعلن للشعب، بحسرة صادقة، أننا سمعنا منذ زمن مديد، وأننا الآن نرى في أفعال ظاهرة للعيان، إلى أي درجة استشرى الفساد في إمبراطوريتنا، بحيث لا يكاد يوجد منصب في الحكومة .... لا تعدو فيه على العدالة عدوى هذا الوباء. فإذا طلب