للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جداً على جميع مناحي ذلك العام الباريسي الذي سحرها بأدبه وفلسفته وفنه ونسائه وصالوناته. ودعته "للدردشة" معها كل يوم تقريباً خلال شتاء ١٧٧٣ - ١٧٧٤ وقد كتبت إلى فولتير عن هذه اللقاءات: "إن حديث السيد جريم يمتعني، ولكن الأشياء التي نود أن نتبادل الكلام فيها من الكثرة بحيث اتسمت لقاءاتنا إلى الآن بالحماسة أكثر من اتسامها بالنظام أو التتابع" وفي حرارة هذه الأحاديث كان عليها المرة بعد المرة أن تذكر نفسها بأن عليها (على حد قولها) أن تعود إلى "أكل العيش" أكل عيشها بالالتفافات إلى مهمة الحكم (٤٣). وعاد جريم إلى باريس يطفح تحمساً لكاترين "غذاء روحي، وعزاء قلبي، وفخر عقلي، وبهجة روسيا، وأمل أوربا" (٤٤). وعاد إلى زيارة بطرسبرج في ١٧٧٦، وكان يلقاها كل يوم تقريباً على مدى عام. ورجته أن يمكث ويشرف على التنظيم الجديد للتعليم في روسيا، ولكن حن إلى باريس ومدام ريينيه. ولم تكن كاترين بالمرأة الغيور، فلما سمعت أن مدام ريينيه تعاني أزمة مالية بعثت إليها بطريق رقيق غير مباشر ما يكفي لتلبية حاجاتها (٤٥). ومنذ ١٧٧٧ قام جريم بمهمة الوكيل لكاترين في فرنسا في المشتريات الفنية والمهام السرية. ودامت صداقته لها إلى النهاية دون أن يكدر صفوها مكدر.

ماذا كان نتائج هذا الغزل بين الأوتقراطية والفلسفة؟ أما من حيث مصادقتها للفلاسفة بوصفهم وكلاؤها الصحفيين في فرنسا، فالأثر السياسي كان صفراً؛ فالسياسة الفرنسية، ومن ثم المؤرخون الفرنسيون، ظلوا خصوماً ألداء لبلد كروسيا يحبط الأهداف الفرنسية في أوربا الشرقية. ولكن إعجابها بأبطال التنوير الفرنسي كان مخلصاً، لأنه بدأ قبل تقلدها السلطة بزمن طويل، ولو كان تظاهراً وادعاءً لما ثبت للمواجهات الطويلة مع ديدرو وجريم. وقد أعان اتصالها بالفكر الفرنسي على صبغ روسيا المتعلمة بالصبغة الأوربية، وعلى تعديل الرأي الغربي الذي رأى في روسيا وحشاً هائلاً جباراً. وقد اقتدى روس كثيرون بكاترين، وراسلوا كتاب الفرنسيين، وشعروا بتأثير الثقافة والعادات والفنون الفرنسية. وزار باريس عدد متزايد من الروس، ومع أن كثيرين منهم أنفقوا وقتهم في المغامرات