على الشاطئ ليستكشف ما وراء الواجهة، فقال أنه رغم بوتمكين لجأ إلى بعض الحيلة، فإنه (أي دلين) راعته "المنشآت الفخمة وهي بعد في مهدها، والمصانع النامية، والقرى ذات الشوارع المنتظمة التي تحفها الأشجار"(٧٧). ولعل كاترين نفسها لم تنخدع، ولكنها ربما استنتجت كما استنتج سيجور، أنه حتى لو كان نصف ثراء تلك المدن ونظافتها مظهراً زائلاً، فإن حقيقة وجود سباستبول فعلاً-المدينة والقلاع والميناء، وكلها بنى على شواطئ القرم في عامين-هذه الحقيقة كفت لجعل بوتمكين جديراً بالثناء. وقد وصفه الأمير دلين الذي كان يعرف تقريباً كل إنسان ذي شأن في أوربا بأنه "أعجب رجل التقيت به في حياتي"(٧٨).
وفي كانيوف جاء ستانسلاس بونياتوفسكي ملك بولندة، ليقدم فروض الولاء للمرأة التي منحته حبها وعرشه. وفي موقع أبعد على الدنيبر الأدنى، عند كايداكي، انضم يوزف الثاني إلى الموكب الذي اتخذ طريقه ثم برا إلى خرسون فالقرم. هنالك داعبت الإمبراطورة، والإمبراطور، والحاكم العام، أحلامهم بطرد الترك من أوربا، فحلمت كاترين بالاستيلاء على الآستانة، ويوزف بابتلاع البلقان، وبوتمكين بتولي عرش داشيا (رومانيا). ونصحت إنجلترة وبروسيا السلطان عبد الحميد بأن يوجه ضربته إلى الروس في غفلة منهم قبل أن يستكملوا استعداداتهم الحربية (٧٩). وكان في وقاحة السفير الروسي في الآستانة ما هيأ لتركيا حافزاً إضافياً، فحبسه السلطان، وأعلن الجهاد، وطالب برد القرم ثمناً للصلح. وفي أغسطس ١٧٨٧ عبر الجيش التركي الرئيسي الدانوب وزحف على أوكرانيا.
لقد تعجل بوتمكين في الإعلان عن فرحه؛ ذلك أن روسيا لم تكن مستعدة بعد للامتحان النهائي؛ لذلك نصح الإمبراطورة بالتخلي عن القرم. ولكنها وبخته على جبنه الذي لم تعهده فيه، ثم أمرته هو وسوفوروف وروميا نتسيف أن يعدوا كل القوات المتاحة لهم وينطلقوا للقاء الغزاة؛ أما هي فقد انسحبت إلى سانت بطرسبرج. ودحر سوفروف الترك في كلبورون، وحاصر بوتمكين أوشاكوف المشرفة على منافذ دنيبر وبوج. وبينما كان الجهاد والحرب