الفلاسفة صاحبه؛ لا بل إن خطاباتها لفولتير كانت تنافس خطاباته لها فطنة وتمييزاً، وتضارعها رشاقة وخفة دم. وكانت رسائلها كثيرة العدد كترة رسائل فولتير مع أنها كتبتها خلال فواصل دسائس القصر، والثورات الداخلية، والدبلوماسية الحرجة، والحروب التي غيرت خرائط الدول. وكان حديثها يجعل ديدرو دائم التنبه والاستعداد، ويحرك مشاعر جريم إلى حد الانتشاء. "كان على المرء في تلك اللحظات أن يرى هذا الرأس الفذ الذي هو مزاج من العبقرية والحسن حتى يكون فكرة عن النار التي تحركها، والسهام التي تطلقها، والهجمات التي تلاحق … الهجمة منها الهجمة … ولو كان في طاقتي أن أدون هذه الأحاديث كلمة كلمة لأتيح للدنيا كلها قطعة نفيسة وربما فريدة في تاريخ العقل البشري (٩٠). على أنه كان يشوب هذا السيل الدافق من أفكارها اضطراب وعدم استقرارا سريعان؛ فكانت تندفع بأسرع مما ينبغي في مشاريع لم تمعن التفكير فيها، وكانت أحياناً يهزمها إلحاح الأحداث وكثرة الواجبات. ولكن النتيجة حتى مع هذا كانت هائلة".
ويبدو أمراً لا يصدق أن تجد كاترين في حياة اضطربت بمثل هذه الأحداث المثيرة سياسية كانت أم حربية وقتاً تكتب فيه قصائد الشعر، والأخبار التاريخية، والمذكرات، والتمثيليات، ونصوص الأوبرات، ومقالات المجلات، وحكايات الجن، ورسالة علمية عن سيبيريا، وتاريخاً للأباطرة الرومان، ومذكرات مستفيضة عن "تاريخ روسيا" وفي ١٧٦٩ - ١٧٧٠ رأست تحرير مجلة هجائية دون أن تعلن عن اسمها، وكانت هي أهم محرريها. ومن صورها الأدبية صورة وصفت منافقاً في الدين يحضر القداس يومياً، ويشعل الشموع أمام الصور المقدسة، ويتمتم بالصلوات في فترات متقطعة، ولكنه يغش التجار، ويفتري على الجيران، ويضرب الخدم، ويندد بالرذيلة الفاشية ويتحسر على الأيام الخالية الطيبة (٩١). أما حكاية الجن التي كتبتها كاترين، واسمها "الأمير خلور" فتحكي عن شاب خاض مغامرات خطرة بحثاً عن وردة خرافية بلا شوك، ليكشف في النهاية أنه ليس هناك وردة كهذه إلا الفضيلة؛ وقد أصبحت هذه القصة من عيون القصص في الأدب الروسي، وترجمت إلى لغات كثيرة؛ وكانت