للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نفسها بالتحكم في أعصابها. أما عن شجاعتها فقد نبذت أوربا كل شك فيها.

كانت شهوانية بلا مراء ولا مبالاة، ولكن غرامياتها لا تؤذينا بشيء بقدر ما تؤذينا "حديقة ظباء" لويس الخامس عشر. وقد درجت على ما درج عليه كل حكام زمانها فأخضعت الأخلاق للسياسة، وأخمدت المشاعر الشخصية إذا عرقلت توسيع رقعة دولتها. وحيث انعدم مثل هذا الصراع كان لها كل حنان المرأة ورقتها، تحب الأطفال، وتلاعبهم وتمرح معهم، وتعلمهم، وتصنع لهم اللعب. وكانت في رحلاتها تحرص دائماً على أن يطعم السائقون والخدم كما ينبغي أن يطعموا (٨٧). وبين الأوراق التي وجدت على منضدتها بعد موتها قبرية كتبتها لنفسها، "كانت تغفر في يسر، ولا تبغض أحداً، وإذا كانت متسامحة، متفهمة، ذات طبع مرح، فقد أوتيت روحاً جمهورية وقلباً عطوفاً" (٨٨).

ولم تكن عطوفاً على ولدها البكر، من جهة لأن بولس أخذ منها بعد ولادته بقليل، وقام على تربيته بانن وغيره تحت إشراف اليزابت؛ ومن جهة لأن المؤامرات التي دبرت لخلعها كانت أحياناً تنوي جعله إمبراطوراً تحت الوصاية؛ ومن جهة لأن بولس طالما خامره الظن بأن أمه قاتلة بطرس؛ كذلك لأن بولس "كان يطيل التفكير دائماً في سرقة حقوقه في خلافة أبيه الافتراضية على العرش". ولكن كاترين تعلقت بابني بولس الساحرين ألكسندر وقسطنطين، وأشرفت بشخصها على تعليمها، وحاولت إبعادهما عن تأثير أبيهما، وبيتت أن يرث تاجها ألكسندر لا بولس (٨٩). أما بولس الذي سعد بزواجه الثاني فكان ينظر في اشمئزاز واضح إلى سلسلة العشاق الذين أمتعوا أمه واستنزفوا موارد الدولة.

أما من الناحية العقلية فقد بزت كاترين على عشاقها. كانت ترضى جشعهم، ولكن ندر أن سمحت لهم بتقرير سياستها. وقد أحسنت استيعاب الأدب الفرنسي إلى حد أتاح لها مراسلة أقطابه كما يراسل الواحد من جماعة