تحقيق النبوءة التي احتوتها. وفي سنته الأخيرة جاب غربي أوربا وأرسل إلى وطنه بعض رسائل ممتازة احتوت إحداها نبوءة فيها رنين الافتخار "نحن (الروس) بادئون، أما هم (يقصد الفرنسيين) فمنتهون"(٩٦).
وأطرف شخصية في أدب عصر كاترين هو نيكولاي إيفانوفتش نوفيكوف. فقد تطور هذا الفتى بعد أن طرد من جامعة موسكو لكسله وتخلفه ليصبح رجلاً ذا نشاط ذهني لايني. ففي الخامسة والعشرين (١٧٦٩)، في سانت بطرسبرج، رأس تحرير مجلة "الدبور" التي أطلق عليها هذا الاسم بخبث شيطاني ليعارض دورية سوماروكوف "النحلة النشيطة". وقد هاجم نوفيكوف بأسلوبه المرح الفساد الذي استشرى في الحكومة، وهاجم الإلحاد الفولتيري السائد في الطبقات العليا لأنه مدمر للأخلاق الشخصية؛ وامتدح بالمقارنة ما افترض وجوده من إيمان الروس المسلم وأخلاقهم المثالية قبل بطرس الأكبر. "وكان قدامى الحكام الروس قد توقعوا أن إدخال الفنون والعلوم سيقضي قضاءً مبرماً على أثمن كنز يملكه الروس-وهو أخلاقهم"(٩٧). هنا أيضاً كان روسو يخوض حرباً مع فولتير. وحدجت كاترين "الدبور" بنظرات متجهمة، فحتجبت في ١٧٧٠. وفي ١٧٧٥ انضم نوفيكوف إلى الماسون الأحرار، الذين كانوا ينزعون في روسيا إلى الغيبية، والتقوية، والأوهام "الروزكروشية"(١) بينما اخوانهم في فرنسا يداعبون الثورة. وفي ١٧٧٩ انتقل إلى موسكو، واضطلع بأعمال مطبعة الجامعة، ونشر في ثلاث سنوات من الكتب عدداً يفوق ما أخرجته تلك المطبعة في أربع وعشرين سنة. وحصل بمعونة مالية من صديق له على مزيد من المطابع، وكون داراً للنشر، وفتح مكتبات لبيع الكتب في جميع أرجاء روسيا، وأذاع نشر إنجيله في الدين والإصلاح. وأسس المدارس، والمستشفيات، والمستوصفات والبيوت النموذجية للعمال.
فلما أحالت الثورة الفرنسية كاترين من حاكمة مستبدة مستنيرة إلى حاكمة
(١) Rosicurucian نسبة لجمعية سرية اشتهرت في القرنين الـ ١٧ والـ ١٨ وزعمت أنها تملك معرفة سرية للطبيعة والدين. (المترجم)