مستبدة مذعورة، خشيت أن يكون نوفيكوف بسبيل قلب النظام القائم. فأمرت بلاتون، مطران موسكو، أن يفحص أفكار نوفيكوف. وكتب الحبر يقول:"أضرع إلى الله الواسع الرحمة أن يكون هناك مسيحيون مثل نوفيكوف، لا في القطيع الذي وكله الله وأنت إلى فحسب، بل في العالم بأسره"(٩٨). ولكن الإمبراطورة التي ظلت على ربيبتها رغم ذلك أمرت بسجن نوفيكوف في قلعة شلوسلبورج (١٧٩٢). هناك ظل حبيساً حتى ماتت كاترين. فلما أفرج عنه بولس الأول اعتكف في ضيعته بتخفين، وأنفق سنيه الأخيرة في التقوى وأعمال البر.
أما ألكسندر نيكولايفتش رد شتشيف فقد لقي حظاً أشد عثاراً. أوفدته كاترين إلى جامعة ليبزج، فتعرف إلى بعض أعمال جماعة الفلاسفة، وأثر فيهبنوع خاص كتاب روسو "العقدالاجتماعي" كما أثر فيه فضح رينال لوحشية الأوربيين في استغلال المستعمرات وتجارة الرقيق. وعاد إلى سانت بطرسبرج وهو يضطرم بالمثل الاجتماعية، فلما وكلت إليه إدارة الجمرك تعلم الإنجليزية ليتعامل مع التجار البريطانيين، ودرس الأدب الإنجليزي، وأثر فيه خاصة كتاب ستيرن "رحلة عاطفية". وفي ١٧٩٠ نشر كتاباً من عيون الأدب الروسي اسمه "رحلة من سانت بطرسبرج إلى موسكو". وقد أقر الكتاب بالإيمان القويم، ولكنه ندد بخدع القساوسة التي يحتالون بها على سذاجة الشعب؛ وقبل النظام الملكي، ولكنه برر الثورة على الحاكم الذي ينتهك "العقد الاجتماعي" بتجاهله للقانون. ووصف تمزيق نظام التجنيد الإجباري لأوصال السر، وبغي السادة على أقنانهم. وقال راد شتشيف أنه أخبر في أحد الأماكن بنبأ مالك هتك عرض ستين فلاحة عذراء. ثم شهر بالرقابة ودافع عن حرية الصحافة. ولم يكن داعية للثورة، ولكنه طلب التفهم الرحيم لمن يدعون إليها. وناشد النبلاء والحكومة إنهاء القنية. "فلترق قلوبكم أيها القساة؛ حطموا أغلال أخوتكم، وافتحوا سجون الرق. إن للفلاح الذي يهبنا العافية والحياة الحق في التصرف في الأرض التي يفلحها"(٩٩).