لانتخابه، ولم يكن في استطاعته أن يتبع أي سياسة طويلة المدى وهو مطمئن أقل اطمئنان إلى توريث تاجه لذريته أو تلقى التأييد المتصل. وقد طالب النبلاء بهذه السلطة غير المقيدة على التشريع لأن كلاً منهم أراد أن يكون مطلق الحرية في السيطرة على أراضيه وأقنانه. ولكن التقييد وروح الحرية، فما إن تصبح الحرية مطلقة حتى تقضي عليها الفوضى، وتاريخ بولندة بعد جان سوبيسكي كان سجلاً للفوضى.
وكان أكثر الأرض يزرعه أقنان يرسفون في قيود ذل إقطاعي لا مغيث لهم منه. وكان السيد الإقطاعي أحياناً رفيقاً بهم، ولكنه كان دائماً مطلق السلطة. وأما أقنانه فلم يدينوا له فقط بجزء المحصول الذي يقدره ويطالبهم به، بل كان لزاماً عليهم أيضاً أن يعطوه من كدهم، دون أجر، عمل يومين أو ثلاثة في ضيعته كل أسبوع. ومن حسن الحظ أن الأرض الجيدة الري كانت خصبة، فوجد الفلاحون ما يكفي لإقامة أودهم، ولكن كوكس وصفهم بأنهم "أشد فقراً وذلاً وشقاءً من أي شعب لاحظناه في رحلاتنا"(١). وكان سادتهم المحليون هم الطبقة الدنيا من النبلاء أو صغار الأعيان (شلاختاً)، وهؤلاء الملاك بدورهم كانوا خاضعين لنحو مائة من الأقطاب الذين يملكون أو يشرفون على مساحات شاسعة. وكان صغار الأعيان يشغلون معظم الوظائف التنفيذية في الدولة، وهم من الناحية النظرية يؤلفون الغالبية في مجلس السجم، ولكن السياسة البولندية كانت من الناحية الفعلية صراعاً بين الأقطاب أو أسرهم، الذين يتلاعبون بمجموعات من صغار الأعيان مستعينين بالنفوذ الاقتصادي أو الرشوة المباشرة (٢).
وظلت الأسرة في بولندة تحتفظ بأفضليتها البدائية على الدولة. فكان آل رادزيفل، وآل بوتوكي، وآل تشارتوريسكي، كل منهم يترابط أفراده بعاطفة من التماسك الأسري أوثق من أي رباط قومي؛ هنا كان حب الوطن هو حرفياً احترام الأب وتبجيله، والأب الأكبر سناً فوق كل شيء. وكانت الأسرة قوية كنظام أو مؤسسة، لأنها كانت وحدة الإنتاج الاقتصادي والتهذيب الأخلاقي، فلم يكن هناك نزعة فردانية اقتصادية تشتت الأبناء