وكان البولنديون المثقفون يضفون على المشهد رونقاً بأزيائهم. أما الفلاح فكان في الصيف يقنع بالقميص والسراويل إلى الركبة من التيل الخشن، دون جوارب طويلة أو حذاء. وفي الشتاء يدثر نفسه كالحزمة دون مراعاة للون، ولا وقت للزينة، وأما الأعيان الذين يعدون نحو ٧٢٥. ٠٠٠ فلباسهم الحذاء الطويل والسيف والقبعة ذاتالريشة والرداء الملون من الحرير أو المخرمات، ثم حول الخصر حزام عريض من النسيج المنقوش ذي الألوان الكثيرة. وهذا الزي الذي اعتزوا بقوميته نقلوه عن المسلمين نتيجة اتصال اللتوانيين بالأتراك في أوكرانيا، وقد عكس ما كان يحدث أحياناً من تحالف بين بولندة وتركيا ضد النمسا أو روسيا، وربما عبر عن نصر آسيوي في عادات البولنديين وأخلاقهم.
أما من الناحية الثقافية فقد عطل بولندة من ١٦٩٧ إلى ١٧٦٣ عدم مبالاة ملوكها السكسون بالأدب والفن السلافيين، كما عطلها حربان مدمران. ولم تكن الكنيسة الكاثوليكية هم راع للفنون فحسب، بل إنها كانت الموزع للتعليم والأمين الأكبر على نفائس الثقافة والأدب. وقد فرضت حجراً دقيقاً على بولندة يقيها حركة العلم والفلسفة في الغرب، ولكنها في نطاق حدودها نشرت المعرفة ونمتها. من ذلك أن جوزيف زالوسكي أسقف كييف جمع ٢٠٠. ٠٠٠ مجلد في وارسو لمكتبته التي تعد من أعظم مكتبات العصر، وفي ١٧٤٨ فتحها للجمهور وأهداها للأمة؛ وكان أثناء ذلك يحيا حياة الزهد، وقد ضحى بنفسه في الصراع الناشب ليحفظ على بولندة استقلالها.
وهو الذي وجه القسيس الشاب المتطلع، ستانسلاس كونارسكي، إلى دراسة التاريخ والقانون وفي ١٧٣١ أصدر كونارسكي المجلد الأول من أربعة مجلدات جمعت ونسقت القانون البولندي من كازيمير الأكبر حتى وقته. هذه الأبحاث وغيرها كشف لكونارسكي عن مدى سقوط بولندة المخزن من حالة الازدهار الذي شهدته أيام النهضة الأوربية. وقد اقتنع بأن البعث لن يأتي إلا من القمة، لذلك أنشأ في وارسو (١٧٤٠)"كلية للنبلاء" يتلقى فيها شباب الأشراف تعليماً لا يقتصر على الرياضة واللغات والآداب الكلاسيكية (التي أجاد اليسوعيون تدريسها)، بل يشمل