التقتيل العشوائي، ففي مدينة واحدة قتلوا ستة عشر ألف رجل وامرأة وطفل. ورد الاتحاديون بقتل من وصلت إليهم أيديهم من الروس والمنشقين، وهكذا عانى البروتستنت واليهود من خطر مضاعف. ففي هذه السنوات بجملتها (١٧٦٨ - ٧٠) هلك خمسون ألفاً من سكان بولندة سواء في المذابح أو المعارك (٣١).
وبدأت كل الأطراف الآن حديث التقسيم. أما الاتحاديون فقد اتهمهم أعداؤهم بأنهم وافقوا على تقسيم بولندة فيما بينهم وبين حلفائهم (٣٢). ففي فبراير ١٧٦٩ أرسل فردريك إلى سنانت بطرسبرج اقتراحاً بتقسيم بولندة بين روسيا وبروسيا والنمسا، واشترطت كاترين في ردها أن تمد بروسيا والنمسا يد العون لروسيا لطرد الترك من أوربا، لكي توافق على أن تختص بروسيا بذلك الجزء من بولندة الذي يفصل بروسيا الكبرى عن بروسيا الشرقية، أما باقي بولندة فيخضع للحماية الروسية (٣٣)، ولكن فردريك تردد. أما شوازيل المتحدث باسم فرنسا فقد اقترح على النمسا أن تستولي على الأقاليم البولندية المجاورة للمجر. ورأتها النمسا فكرة مواتية في وقت موات، وعليه ففي أبريل ١٧٦٩ احتلت إقليم سبتز البولندي، الذي كانت المجر رهنته لبولندة في ١٤١٢ ولم يفك رهنه قط (٣٤). وفي ١٧٧٠ اقترح الترك الذين كانوا آنئذ يقاتلون بصفتهم مدافعين عن بولندة-على النمسا تقسيم بولندة بين النمسا وتركيا (٣٥).
وبينما كانت هذه المفاوضات دائرة ارتضت الدول الغربية فكرة تقسيم بولندة نتيجة لا مناص منها لفوضاها السياسية، وأحقادها الدينية، وعجزها الحربي و "أدرك كل رجل دولة في القارة أن الكارثة واقعة لا محالة"(٣٦). ولكن البولنديين من خصوم الاتحاديين في هذا الوقت أوفدوا عضواً في الديت ليطلب إلى الفيلسوف الاشتراكي مابلي، وإلى عدو جماعة الفلاسفة روسو، أن يضعا دستوراً مؤقتاً لبولندة جديدة. وقدم مابلي توصياته في ١٧٧٠ - ٧١، أما روسو فقد فرغ من "دستور بولندة" في أبريل ١٧٧٢ - بعد شهرين من التوقيع على أولى معاهدات التقسيم.