لذلك أحل بعد الحرب شباب النبلاء محل معظم ضباط الطبقة الوسطى الذين ترقوا في الجيش (١٦). ولكن بما أن هؤلاء النبلاء المعتزين بعراقتهم قد يصبحون مصدراً للتفتت والفوضى، وأداة للاستغلال، إذن فلا بد من أن يحمي ملك مطلق السلطة الدولة من الانقسام، ويدفع الظلم الطبقي عن عامة الشعب.
وكان فردريك يحب أن يصور نفسه خادماً للدولة والشعب. وربما كان هذا تبريراً لإرادة القوة فيه، ولكنه تسامى بحياته إلى مستوى دعواه. فأضحت الدولة عنده "الكائن الأعلى" الذي يبذل في سبيله نفسه وغيره؛ ومطالب خدمة الدولة تغلب عنده على ناموس الفضيلة الفردية؛ فالوصايا تتوقف عند أبواب الملوك. ووافقته جميع الحكومات على هذه "السياسة الواقعية"، وقبل معظم الملوك النظرة إلى الملكية على أنها خدمة مقدسة. وقد اعتنق فردريك هذا المفهوم من اتصاله بفولتير؛ ومن طريق إلصاقهم بفردريك طور الفلاسفة ونظريتهم "الملكية" ومؤداها أن الأمل الأكبر في الإصلاح والتقدم معقود على تنوير الملوك.
وهكذا أصبح برغم حروبه معبود الفلاسفة الفرنسيين، وهدأ من عدائهم له، حتى عداء روسو الفاضل. وقد رفض دالامبير طويلاً دعوات فردريك له، ولكنه لم يكف عن الثناء عليه. فكتب لفردريك يقول "إن الفلاسفة والأدباء في كل بلد طالما تطلعوا إليك يا مولاي قائداً ومثالاً لهم"(١٧) وأخيراً أذعن الرياضي المتحفظ للدعوات المتكررة، وأنفق شهرين مع فردريك في بوتسدام عام ١٧٦٣. ولم تنتقص الألفة (والمعاش الذي أجراه عليه) من إعجاب دالامبير به. فقد أبهجه إغفال الملك لقواعد التشريفات، وأطربته تعليقاته-لا على الحرب والحكومة فحسب، بل على الأدب والفلسفة أيضاً، وقال لجولي دلسبيناس إن هذا الحديث كان أروع من أي حديث يتاح للمرء سماعه آنئذ في فرنسا (١٨). فلما ابتأس دالامبير في ١٧٧٦ حزناً على موت جولي، بعث إليه فردريك برسالة تظهر هذا الغول في ثوب الرجل الحكيم الحنون: