"يؤسفني الخطب الذي ألم بك … إن جراح القلب أكثر الجراح إيلاماً … ولا شيء يبرئها غير الزمن … إن لي لسوء طالعي حظاً وفيراً جداً من الخبرة بالآلام التي تحدثها خسائر كهذه. وخير دواء هو سيطرة المرء على نفسه ليصرف تفكيره بعيداً … وخليق بك أن تختار بحثاً هندسياً يتطلب العكوف الدائم عليه … إن شيشرون أغرق نفسه في التأليف ليتعزى عن موت حبيبته تلياً … وفي مثل سنك وسني خليق بنا أن نكون أكثر استعداداً للسلوى لأن لحاقنا بمن فجعنا فيهم لن يطول"(١٩).
ثم حث دالامبير على أن يحضر ثانية إلى بوتسدام "سوف نفلسف معاً تفاهة الحياة … وبطلان الرواقية … وسوف أشعر بالسعادة في تهدئة حزنك كأنني انتصرت في معركة. " هنا على الأقل ملك أحب الفلاسفة، إن لم يكن ملكاً فيلسوفاً بكل معنى الكلمة.
ولكن هذه المعاملة لم يعد يطبقها على فولتير، ذلك أن خلافاتهما في برلين وبوتسدام، والقبض على فولتير في فرانكفورت-كل هذا ترك جراحاً أعمق من الحزن. وبقي الفيلسوف يعاني الألم والمرارة أطول مما بقي الملك. فأخبر الأمير دلين أن فردريك "لا قدرة له على عرفان الجميل، ولم يعترف قط بجميل إلا للجواد الذي هرب على ظهره في معركته مولفتس"(٢٠). ثم عاد تبادل الرسائل بين ألمع رجلين في القرن حين كتب فولتير إلى فردريك محاولاً أن يثني المحارب اليائس على الانتحار. وراحا يتبادلان العتاب والمجاملات. وذكر فولتير فردريك بالإهانات التي لقيها الفيلسوف وابنة أخته من عمال الملك، وأحاب فردريك:"لولا صلتك برجل فتن حباً بعبقريتك الرائعة لما أفلت بهذه السهولة … فاعتبر الأمر كله منتهياً، ولا تذكر لي شيئاً بعد اليوم عن ابنة أختك تلك المتعبة"(٢١). ولكن الملك رغم هذا لاطف الذات المفلسفة على نحو ساحر:
"أتريد كلاماً حلواً؟ حسناً جداً، سأخبرك ببعض الحقائق. إنني أقدر فيك أروع عبقرية ولدتها الأجيال، إنني أعجب بشعرك، وأحب نثرك … ولم يؤت كاتب قبلك مثل هذه اللمسة المرهفة، ولا مثل هذا