للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذوق الأصيل الرقيق … إنك ساحر في حديثك، تعرف كيف ترفه وتعلم في وقت واحد. إنك أكثر المخلوقات التي عرفتها إغواء … كل شيء في حياة الإنسان يتوقف على الزمان الذي يجيء فيه إلى هذا العالم. وأنا وإن جئت متأخراً جداً، إلا أنني لست بآسف على هذا، لأنني رأيت فولتير، … ولأنه يكتب لي" (٢٢).

وأعان الملك بتبرعاته السخية حملات فولتير دفاعاً عن أسرتي كالاس وسيرفان، وصفق للحرب التي شنها على الكنيسة الكاثولكية ( L,infame) ، ولكنه لم يشارك جماعة الفلاسفة ثقتهم في تنوير النوع الإنساني. فقد تنبأ بفوز الخرافة في السباق بينها وبين العقل. فتراه يكتب إلى فولتير في ١٣ سبتمبر ١٧٦٦ يقول:

"إن مبشريك سيفتحون أعين قلة من الشباب … ولكن ما أكثر الحمقى الذين لا يعقلون في هذا العالم! .. صدقني، لو أن الفلاسفة أقاموا حكومة فلن يمضي نصف قرن حتى يخلق الشعب خرافات جديدة … قد يتغير موضوع العبادة، كما تتغير الأزياء في فرنسا؛ (ولكن) ما أهمية أن يسجد الناس أمام قطعة من الفطير، وأمام العجل أبيس، أو أمام تابوت العهد، أو أمام تمثال من التماثيل؟ لأيهم الاختيار، فالخرافة واحدة، والعقل لا يكسب شيئاً" (٢٣).

على أن فردريك تصالح مع الدين بعد أن قبله ضرورة بشرية، فحمى كل صوره السلمية بمنتهى التسامح. ففي سيليزيا التي غزاها ترك الكاثوليكية هادئة دون إزعاج، فيما عدا فتحه أبواب جامعة برلين لجميع المذاهب، وكانت من قبل وقفاً على الكاثوليك .. ثم رحب باليسوعيين بصفتهم معلمين ذوي قيمة كبرى، وكانوا بعد أن طردهم الملوك الكاثوليك قد التمسوا ملجأ تحت حكمه اللا أدري. وبالمثل بسط حمايته على المسلمين واليهود والملحدين؛ وفي عهده وفي مملكته مارس كانط حرية الكلام والتعليم والكتابة، وهي الحرية التي لقيت أشد تعنيف وقضي عليها بعد موت فردريك. وفي ظل هذا التسامح اضمحلت معظم صور الدين في بروسيا. ففي ١٧٨٠ كان هناك