سفير إنجليزي يقول:"إن مشروعات الضرائب الجديدة نفرت الشعب حقاً من ملكهم"(٣٦). وقد ترك فردريك عند موته في خزانة الدولة ٥١. ٠٠٠. ٠٠٠ طالر-وهو ما يعادل إيراد الدولة السنوي مرتين ونصفاً.
وفي ١٧٨٨ نشر ميرابو (الابن) بعد زيارات ثلاث لبرلين تحليلاً مدمراً عنوانه "في النظام الملكي البروسي تحت حكم فردريك الأكبر". وكان قد ورث عن أبيه مبادئ الفزيوقراطيين التي تنادي بالمشروعات الحرة، لذلك أدان نظام فردريك باعتباره دولة بوليسية، وبيروقراطية تخنق كل روح للمبادرة وتعدو على كل حرية شخصية. وكان في وسع فردريك أن يرد على هذه التهم بأنه لو انتهج سياسة "عدم التدخل Laissez Fairo" في حالة الفوضى التي ضربت أطنابها في بروسيا عقب حرب السنين السبع لأفسدت عليه هذه السياسة انتصاره بما تجر من فوضى اقتصادية. لقد كان التوجيه أمراً حتمياً، وكان هو الرجل الوحيد الذي يستطيع القيادة الفعالة، وهو لا يعرف شكلاً من أشكال القيادة غير قيادة القائد الحربي لجنوده. لقد أنقذ بروسيا من الهزيمة والانهيار، ودفع الثمن يفقدانه حب شعبه له؛ وقد فطن إلى هذه النتيجة، وعزى نفسه بمبررات أخلاقية:
"إن البشر يتحركون إذا حثثتهم على الحركة، ويقفون إذا كففت عن دفعهم … والناس مقلون في القراءة، زاهدون في أن يتعلموا كيف يمكن التصرف في أي شيء بطرق مختلفة. أما أنا، أنا الذي لم أصنع بهم قط غير الخير، فهم يظنون أنني أريد أن أضع سكيناً على حلوقهم بمجرد أن يلوح احتمال إدخال أي تحسين مفيد، لا بل أي تغيير على الإطلاق. في مثل هذه الحالات اعتمدت على شرف هدفي وسلامة ضميري، وعلى المعلومات التي أملكها، ثم مضيت في طريقي هادئاً" (٣٧).
وقد انتصرت إرادته. فازدادت بروسيا حتى في حياءه غنى وقوة. وتضاعف عدد سكانها، وانتشر فيها التعليم، وأخفى التعصب الديني رأسه. صحيح أن هذا النظام الجديد اعتمد على الاستبداد المستنير، وأن هذا الاستبداد