ولما كانت القنية تربط الفلاح بسيده، فإنه لم توجد في بروسيا حرية الانتقال إلى المدن، تلك الحرية التي يسرت في إنجلترة تطور الصناعة السريع. وقد جهد فردريك بكل الوسائل للتغلب على هذا المعوق. فأقرض الملتزمين المال بشروط ميسرة، وأجاز الاحتكارات المؤقتة، واستورد العمال، وفتح مدارس الصنائع، وأنشأ مصنعاً للبرسلان في برلين. وناضل لينشئ صناعة الحرير، ولكن أشجار التوت ذبلت في برد الشمال. وشجع التعدين النشيط في سيليزيا الغنية بالمعادن. وفي ٥ سبتمبر ١٧٧٧ كتب إلى فولتير كما يكتب أحد رجال الأعمال لزميل له يقول:"إنني عائد من سيليزيا راضياً عنها الرضى كله … فقد بعنا للأجانب ما قيمته ٥. ٠٠٠. ٠٠٠ كراون من التيل، و١. ٢٠٠. ٠٠٠ كراون من القماش … وقد أمكن اكتشاف طريقة لتحويل الحديد إلى صلب أبسط كثيراً من طريقة ريومور"(٣٣).
وتسهيلاً للتجارة ألغى فردريك المكوس الداخلية ووسع الموانئ، وحفر القنوات وشق ثلاثين ألف ميل من الطرق الجديدة. أما التجارة الخارجية فقد عاقتها الرسوم المرتفعة على الواردات والحظر المفروض على تصدير السلع الاستراتيجية؛ واقتضت الفوضى الدولية حماية الصناعة الوطنية لضمان الاكتفاء الصناعي في الحرب. ورغم ذلك نمت برلين قلباً للتجارة وللحكومة: ففي ١٧٢١ كانت تضم من السكان ٦٠. ٠٠٠، وفي ١٧٧٧ زادوا إلى ١٤٠. ٠٠٠ (٣٤). لقد كانت تتهيأ لتصبح عاصمة لألمانيا.
ولكي يمول فردريك هذا المزيج من الإقطاعية، والرأسمالية، والاشتراكية، والأوتقراطية، اقتضى شعبه من الضرائب قدراً يقرب مما رد عليهم من نظام اجتماعي وإعانات مالية وأشغال عامة. واحتفظ للدولة باحتكار الملح والسكر والتبغ والبن (بعد ١٧٨١)، وامتلك ثلث الأرض الصالحة للزراعة (٣٥). وفرض الضرائب على كل شيء، حتى على المغنين الجائلين واستقدم هلفتيوس ليخطط له نظاماً محكماً في جميع الضرائب. وكتب