وهذا الكتاب "لاوكون، أو على التخوم بين التصوير والشعر" استلهم حافزه المباشر من كتاب فنكلمان "أفكار عن محاكاة الآثار الإغريقية في التصوير والنحت"(١٧٥٥). وبعد أن كتب ليسنج نصف مخطوطه وصله كتاب فنكلمان "تاريخ الفن القديم"(١٧٦٤)، فقطع بحثه وكتب يقول، "لقد ظهر كتاب الهر فنكلمان في تاريخ الفن. ولن أجرؤ على التقدم خطوة أخرى قبل أن أقرأ هذا الكتاب"(٦٥) واتخذ نقطة انطلاقة من مفهوم فنكلمان عن الفن الإغريقي الكلاسيكي متمثلاً في الوقار الهادئ والفخامة المطمئنة، ووافق على زعم فنكلمان أن مجموعة تماثيل اللاوكون المحفوظة بقاعة الفاتيكان للفنون احتفظت بهذه الصفات رغم الألم القتال (اشتبه لاوكون، كاهن أبوللو في طروادة، في أن هناك يونانيين يختبئون في "حصان طروادة"، فقذفه برمح، ولكن الإلهة أثينا المحابية لليونان أقنعت بوسيدان أن يطلع من البحر ثعبانين ضخمين التفا حول الكاهن وولديه التفافاً قاتلاً). وقد ظن فنكلمان أن مجموعة لاوكون-التي تعد الآن عملاً من أعمال نحاتين رودسيين في القرن الأخير قبل المسيح-تنتمي إلى عصر فيدياس الكلاسيكي.
أما لماذا خلع فنكلمان، الذي شاهد هذا الأثر ودرسه صفة الجلال المطمئن على ملامح الكاهن المشوهة فذلك سر غامض. وقد قبل ليسنج الوصف لأنه لم ير التمثال قط (٦٦). ووافق على أن المثال خفف من تعبير الألم؛ ثم راح يتساءل عن سبب هذا الانضباط الفني، وأراد استنباطه من قيود الفن التشكيلي الأصيلة الصحيحة.
ثم تمثل بقول الشاعر الإغريقي سيمونيدس إن "التصوير شعر صامت، والشعر تصوير بليغ"(٦٧). وأضاف أن الاثنين مع ذلك يجب أن يلزما حدودهما الطبيعية: فالتصوير والنحت ينبغي أن يصفا الأشياء في المكان، لا أن يحاولا قص قصة، أما الشعر فينبغي أن يروي أحداثاً في الزمان، لا أن يحاول وصف أشياء في المكان. وينبغي أن يترك الوصف المفصل للفنون التشكيلية، فإذا ورد في الشعر، كما في "فصول" طومسن أو "ألب" هالر، قطع السرد وشوش الأحداث. "ومعارضة هذا الذوق الفاسد