ملكوت الله على الأرض؛ وقد فهمه الرسل على هذا النحو (في زعم رايماروس)، لأنهم أملوا في أن يبوءوا عروشاً في هذا الملكوت القادم. فلما انهار الحلم بصرخة المسيح اليائسة على الصليب "إلهي إلهي لماذا تركتني"-اخترع الرسل (كما ظن رايماروس) خرافة قيامته إخفاء لهزيمته، وصوروه بصورة ديان العالم المكافئ المنتقم.
وهاجم اللاهوتيون الذين صدموا أجزاء "خطوط فولفتبوتل" هذه في نيف وثلاثين مقالاً في الصحف الألمانية. واتهم يوهان ملكيور جوتسي كبير رعاة همبورج ليسنج بأنه موافق سراً على مزاعم "الكاتب المجهول"، وحض الكنيسة والدولة جميعاً على عقاب هذا المنافق. أما الخصوم الأكثر اعتدالاً فقد وبخوا ليسنج على نشره بالألمانية المفهومة للقراء شكوكاً كان من الواجب الإفصاح عنها، إن جاز الإفصاح إطلاقاً، باللاتينية لفئة قليلة من القراء. ورد ليسنج في إحدى عشرة نشرة (١٧٧٨) نافست "رسائل بسكال الإقليمية" في تهكمها المرح-ونكتتها الذكية الفتاكة. يقول هيني "لم يسلم منه رأس، وما أكثر الرءوس التي أطاح بها لمجرد العبث الخالص، ثم دفعته شقاوته إلى رفعها علانية ليرى الناس أنها فارغة"(٧٦). وقد ذكر ليسنج مهاجميه بأن حرية الحكم والنقاش عنصر حيوي في برنامج حركة الإصلاح البروتستنتي؛ ثم إن للشعب الحق في كل المعرفة المتاحة له، وإلا لكان بابا واحد من بابوات روما خيراً من مائة نبي بروتستنتي. وعلى أية حال فإن قيمة المسيحية (في زعمه) ستبقى حتى لو كان الكتاب المقدس مجرد وثيقة بشرية وكانت معجزاته مجرد قصص خرافية ورعة أو أحداث طبيعية. وصادرت حكومة الدوق أجزاء مخطوط فولفنبوتل ومخطوط رايماروس، وأمرت ليسنج بألا ينشر المزيد دون موافقة الرقيب البرنزويكي.
فلما ألزم ليسنج الصمت على منبره اتجه إلى خشبة المسرح فألف أروع تمثيلياته. وكان قد أعسر مرة أخرى إثر النفقات التي تحملها بسبب مرض زوجته وموتها، فاقترض ثلاثمائة طالر من يهودي همبورجي ليوفر الوقت اللازم للفراغ من مسرحية "ناثان الحكيم. وقد اختار