الفرد المتوسط يلخص في نموه التطور الفكري والخلقي للنوع، فكذلك يمر النوع في بطء خلال التطور الفكري والخلقي للفرد الأعلى. وإذا شئن التعبير بطريقة فيثاغورية، قلنا أن كلاً منا يولد من جديد، ثم يولد من جديد، حتى تكتمل تربيته-أي تكيفه مع العقل.
ترى ماذا كانت آراء ليسنج النهائية في الدين؟ لقد قبله معيناً هائلاً للفضيلة، ولكنه أنكره نسقاً من العقائد القطعية التي تفرض قبولها وإلا كانت الخطيئة والعقاب والعار الاجتماعي. وكان فكره عن الله أنه الروح الباطن للحقيقة، المسبب للتطور والمتطور هو ذاته؛ ورأى في المسيح أكمل إنسان مثالي، ولكنه ليس تجسيداً لهذا الإله إلا مجازاً؛ وقد تطلع إلى زمن يختفي فيه اللاهوت كله من المسيحية، فلا يبقى إلا مبدأ أخلاقي سام من العطف الصبور والأخوة العالمية. وفي مسودة خطاب إلى مندلسون صرح بالتزامه برأي سبينوزا في أن الجسم والعقل هما الظاهر والباطن لحقيقة واحدة، وصفتان لجوهر واحد متطابق مع الله. وقال لياكوبي" إن المفاهيم التقليدية عن الإله يعد لها وجود عندي، وأنا لا أطيقها، لا أطيقها كلها! لا أعرف غير هذا"(٧٩)؛ وفي ١٧٨٠ طلب إليه ياكوبي الذي زاره في فولفنبوتل أن يساعده في الرد على سبينوزا وتفنيد آرائه، فصدمه جواب ليسنج:"ليس هناك فلسفة غير فلسفة سبينوزا … ولو خيرت في أن أتسمى اسم آخر لما عرفت غير اسمه"(٨٠).
وقد ترك ليسنج وحيداً في أخريات عمره بسبب هرطقاته وضراوته أحياناً في الجدل. وبقي له بعض الأصدقاء في برنزويك يختلف إليهم بين الحين والحين للحديث ولعب الشطرنج. وكان أبناء زوجته يعيشون معه في فولفنبوتل، وقد خصص لهم التركة الصغيرة التي خلفتها كاملةز ولكن خصومه شهروا به في طول ألمانيا وعرضها ملحداً رهيباً. فتحداهم، وتجاسر على معارضة الرجل الذي يدفع له راتبه، ذلك أن كارل فلهلم فرديناند، الذي أصبح الآن (١٧٨٠) دوقاً على برنزويك، زج في السجن يهودياً