إظهار للغرائز الأساسية، ونحن نخطئ إذا دمغنا هذه الغرائز باللا أخلاقية. وهكذا يغوي أردنجللو ويقتل إذا لاحت له الفرصة أو دفعته النزوة، ويرى في عواطفه المشبوبة الطليقة من كل قيد أسمى قوانين الطبيعة. وهو يصف بطولات هانيبال ويمجده إنساناً أعلى ويتساءل:"ما قيمة مليون من الرجال الذين لم يحظوا طوال حياتهم بساعة واحدة كساعاته-بالقياس إلى هذا الرجل الفرد؟ "(٩٢) وهو يقيم مجتمعاً شيوعياً تسوده شيوعية النساء وحق الانتخاب للنساء وعبادة قوى الطبيعة باعتبارها الدين الأوحد.
في دوامة الزوبعية (شتورم) المضطربة هذه خلعت بعض الأفكار الغالبة على هذه الحركة طابعها وتأثيرها. فمعظم قادتها أتوا من الطبقة الوسطى، وبدأوا ثورتهم احتجاجاً على امتيازات الحسب والنسب، ووقاحة ذوي المناصب، وبذخ الأحبار الذين ينعمون بطيبات العييش على حساب عشور الفلاحين. وقد أجمعوا على الرثاء لحفظ الفلاح العاثر-حراً كان أو قناً-وتصوير خلقه في صورة مثالية. وأهابوا بالنساء أن ينبذن موضاتهن وأطواقهن وعواطفهن الهشة وإغماءاتهن وتقواهن الخانعة الذليلة، ودعوهن للمجيء والمشاركة في الحياة المثيرة التي يحياها العقل المحرر من الأغلال، والذكر الجوال. وأعادوا تعريف الدين بأنه إلهام سماوي في نفس عبقريتها جزء من الحافز الخلاق والسر المبدع في الدنيا. ووحدوا بين الطبيعة والله، وانتهوا إلى أن الإنسان يكون إلهياً إذا كان طبيعياً. واتخذوا من أسطورة فاوست المنحدرة من العصر الوسيط رمزاً للجوع الفكري والطموح الملتهب الذي يحطم كل حواجز التقاليد أو الأعراف أو الأخلاق أو القوانين. وهكذا نرى "مالرمولر" يكتب قبل جوته بزمان مسرحية سماها "فوستس لوبن""لأنني عرفت فيه من البداية رجلاً عظيماً … يحس بقوته كلها، ويشعر باللجم الذي قيده به القدر، ويحاول أن يخلعه، ووتوفر له شجاعة الإطاحة بكل شيء يقف في طريقه"(٩٣).
وقد وسمت حماسة الزوبعية وشططها هذه الحركة بأنها تعبير عن المراهقة الفكرية، وصوت أقلية قضى عليها بأن يعلو صوتها ثم يخبو. ولم تكسب