أعيننا" (٦٣). وهو لا يوافق روسو على أن الإنسان يولد خيراً أو كان خيراً في "حالة الطبيعة"، ولكنه يتفق معه في إدانة "رذائل الحضارة والمدنية" لأنها "أشد عيوب أذى" (٦٤)، "والواقع أن هذا السؤال ما زال بغير جواب، وهو، ألا تكون أسعد في حالة غير متحضرة … مما نحن في حالة المجتمع الراهنة" (٦٥) ما فيهمن استغلال ونفاق وخلل أخلاقي وتقتيل بالجملة في الحرب. وإذا شئنا أن نعرف طبيعة البشر الحقيقية فيكفي أن نلاحظ سلوك الدول.
ولكن كيف بدأ "الشر المتأصل في طبيعة البشر"؟ .. إنه لم يبدأ بسبب "الخطية الأصلية"، "فلا ريب في أن أشد التفسيرات كلها سخفاً لذيوع هذا الشر وانتشاره في جميع أفراد وأجيال نوعنا هو التفسير الذي يصفه ميراثاً منحدراً إلينا من أبوينا الأولين" (٦٦). وربما كانت النوازع "الشريرة" قد تأصلت في الإنسان تأصلاً قوياً لأنها كانت ضرورية للبقاء في الأحوال البدائية، وهي لا تصبح رذائل إلا في المدنية-في المجتمع المنظم، وفيه لا تحتاج إلى القمع بل إلى الضبط (٦٧). "فالميول الطبيعية، إذا نظرنا إليها في ذاتها، خيرة، أي أنها لا تلام، ومحاولة القضاء عليها ليست عديمة الجدوى فحسب، بل ضارة ومستحقة للوم. والأولى أن نروضها، وبدلاً من أن يصطدم بعضها ببعض يمكن أن ينسق بينها لتنسجم في كل يسمى السعادة (٦٨). والخير الأخلاقي هو أيضاً غريزي، كما يدل على ذلك الحس الأخلاقي في جميع الناس، ولكنه في أول الأمر ليس إلا حاجة، لا بد من تنميتها بالتعليم الأخلاقي والتهذيب الشاق. وأفضل الأديان ليس الذي يفوق غيره في التمسك الدقيق بالعبادة الطقسية، بل أعظمها تأثيراً في الناس ليحيوا حياة أخلاقية (٦٩). والدين القائم على العقل لا يبني نفسه على وحي إلهي، بل على إحساس بالواجب يفسر على أنه أقدس عنصر في الإنسان (٧٠). ومن حق الدين أن ينظم نفسه على هيئة كنيسة (٧١)، وله أن يحاول تحديد عقيدته بالأسفار المقدسة، وأن يعبد، بحق، المسيح بوصفه أعظم البشر شبهاً بالله، وأن يعد بالجنة وينذر بالنار (٧٢)، و "لا يمكن تصوير دين لا يحتوي على اعتقاد بحياة آخرة"(٧٣). ولكن لا ينبغي أن يكون ضرورياً للمسيحي أن يؤكد إيمانه بالمعجزات، أو بلاهوت المسيح، أو بالتكفير عن خطايا البشر بصلب المسيح، أو بالحكم المقدر على الأرواح بالجنة