وقد استهلها استهلالاً متواضعاً بوصفه "السلام الأبدي" شعاراً يليق بجبانة الموتى، وأكد للساسة أنه لا يتوقع منهم أن يروا فيه أكثر من مجرد "معلم نظري متحذلق عاجز عم إلحاق أي خطر بالدولة". (٧٩) وبعد أن نحى مواد الصلح المبرم في بازل جانباً باعتبارها مواد تافهة قصد بها مسايرة الظروف، وضع بصفة لجنة مؤلفة من رجل واحد-"ست مواد أولية" تجمل الشروط الأساسية للسلام الدائم: فحرمت المادة الأولى جميع التحفظات والملاحق السرية لأي معاهدة. وحظرت المادة الثانية على أي دولة أن تستولي على أخرى أو تسيطر عليها. وطالبت المادة الثالثة بالتخلص تدريجياً من الجيوش الدائمة. وذهبت المادة الرابعة إلى أنه لا يجوز لأي دولة "أن تتدخل بالقوة في دستور دولة أخرى". وطالبت المادة السادسة كل دولة تخوض حرباً مع أخرى بألا "تسمح بأعمال عدائية من شأنها أن تجعل الثقة المتبادلة مستحيلة، في حالة إبرام سلام في المستقبل، كالاستعانة بالقتلة يغتالون أو يدسون السم … والتحريض على الفتنة في دولة العدو".
وإذ كان من غير المستطاع إبرام صلح طويل الأمد بين دولة لا تعترف بحدود لسيادتها، فإنه لا بد من بذل الجهود الحثيثة لتطوير نظام دولي، وإيجاد بديل للحرب بهذه الطريقة. ومن ثم وضع كانت بعض "المواد المحددة" للسلام الدائم. أولاً، "يجب أن يكون دستور كل دولة جمهورياً. ذلك أن الملكيات والارستقراطيات تنزع إلى الحروب المتكررة، إذ أن الحاكم والنبلاء هم عادة في مأمن من فقد أرواحهم وثرواتهم في الحرب، لذلك يبادرون إلى خوضها بوصفها "تسلية الملوك"؛ أما في الجمهوريات "المواطنون هم المسئولون عن قرار إعلان الحرب أو عدم إعلانها، "وهم الذين سيتحملون العواقب"، ومن ثم "فليس من المحتمل أن يغامر مواطنو دولة (جمهورية) في أي وقت بلعبة غالية التكلفة إلى هذا الحد"(٨٠). ثانياً "يجب أن يبنى كل حق دولي على أساس اتحاد فدرالي بين الدول الحرة"، (٨١) وألا يكون هذا الاتحاد دولة عظمى، "فالواقع أن الحرب ليست سيئة سوءاً لا برء منه كسوء الملكية العالمية"(٨٢). فينبغي أن يقرر كل شعب حكومته الخاصة