به، ولكن على كل دولة بمفردها (على الأقل .. دول أوربا) أن تتجمع في اتحاد كنفدرالي تخول له سلطة التحكم في علاقاتها الخارجية. والمثل الأعلى الذي لا بد من التمسك به هو أن تمارس الدول القانون الأخلاقي الذي تطالب به مواطنيها. فهل يمكن أن تسفر مغامرة كهذه عن شر أعظم مما ينجم عن الممارسة الدائمة للخداع والعنف الدوليين؟ لقد راود كانت الأمل بأن مكيافللي سيثبت في نهاية المطاف أنه مخطئ، وليس هناك ن داع للتضارب بين الأخلاقية والسياسية، ذلك أن "الأخلاق وحدها هي القادرة على قطع العقدة التي لا تقوى السياسة على فكها"(٨٣).
وواضح أن كانت كان مخدوعاً في أمر الجمهوريات (التي شاركت بعد ذلك ف أبشع الحروب قاطبة)؛ ولكن ينبغي أن نقرر أنه كان يعني بـ "الجمهورية" الحكومة الدستورية لا الديمقراطية كاملة. فلقد كان عديم الثقة بالدوافع المتهورة التي تحفز رجالاً لا تكبحهم قيود (٨٤)، وكان يخشى إطلاق حق التصويت للجميع باعتباره تسليطاً للأغلبيات الجاهلة على الأقليات التقدمية والأفراد الخارجين على الإجماع (٨٥). ولكن كانت تغيظه الامتيازات الموروثة، وخيلاء الطبقة، والقنية التي تطوق كونجزبرج، ورحب بالثورة الأمريكية التي أخذت، في رأيه، تكون اتحاداً فدرالياً من دويلات مستقلة، على غرار النظام الذي اقترحه لأوربا. وناصر الثورة الفرنسية بحماسة تقرب من حماسة الشباب، حتى بعد مذابح سبتمبر وحكم الإرهاب.
ولكنه، شأن أتباع التنوير جميعاً تقريباً، آمن بالتعليم أكثر مما آمن بالثورة. في هذا المجال، كما في مجالات كثيرة، أحس بتأثير روسو والحركة الرومانتيكية. "يجب أن نسمح للطفل منذ نعومة أظفاره بكامل الحرية من جميع النواحي … شريطة ألا يتدخل في حرية غيره"(٨٦). على أنه تحفظ بعد قليل في هذه الحرية الكاملة، وسلم بأن قدراً من الضبط ضروري في تكوين الخلق؛ "فإهمال الضبط شر أعظم من إهمال الثقافة، لأن إهمال الثقافة يمكن علاجه في الحياة فيما بعد"، (٨٧) أما أفضل ضبط فهو العمل، وينبغي مطالبة الطفل به في جميع مراحل تعليمه. والتربية