الشبان والفتيات في أيام الربيع يرقصون ويتضاجعون في الحقول ليضربوا المثل لأمهم الأرض في الإخصاب والإنتاج. ولم يكن ثمة فرق كبير بين الملك والكاهن في تلك الأيام، وكان ملوك الصين الأولون كما ورد في أقوال المؤرخين الذين أطنبوا فيما بعد في وصفهم كهاناً سياسيين لا يقدمون على عمل من أعمال البطولة إلا بعد أن يمهدوا له بالأدعية والصلوات ويستعينوا عليه الآلهة (٧٦).
وكانت الأرض والسماء في هذا الدين البدائي مرتبطتين إحداهما بالأخرى، لأنهما شطران من وحدة كونية عظيمة، وكانت صلة إحداهما بالأخرى أشبه ما تكون بصلة الرجل والمرأة وصلة السيد بالتابع واليانج بالين. وكان نظام السموات ومسلك الآدميين الخلقي عمليتين متقاربتين متشابهتين لأنهما شطران من نظام عالمي لا غنى عنه يسمى دو- أي الطريقة السماوية؛ وليست الأخلاق الطيبة في اعتقادهم إلا نتيجة للتعاون القائم بين أجزاء هذا الكل شأنها في هذا شأن القوانين التي تسير نجوم السماء.
وكان الإله الأكبر هو هذه السماء العظمى نفسها، هذا النظام الأخلاقي، هذا الترتيب القدسي، الذي يشمل بين طياته الناس والجماد ويحدد العلاقات الحقة بين الأطفال وآبائهم والزوجات وأزواجهن، وبين الأتباع وسادتهم، والسادة والإمبراطور، والإمبراطور والإله. لقد كان هذا تفكيراً عجيباً ولكنه تفكير نبيل يتأرجح بين التجسيد الشخصي حين يصلي الشعب لتين- للسماء المعبودة- والتجريد حين يتحدث الفلاسفة عن جماع تلك القوى- الشديدة البعد عن قوة البشر فرادى أو مجتمعين- التي تسيطر على السموات والأرضين والأناسي. ولما تقدمت دراسة الفلسفة أضحت فكرة "السماء" الشيئية مقصورة على عامة الشعب، أما فكرتها المجردة غير الشيئية فأضحت عقيدة الطبقات المتعلمة ودين الدولة الرسمي (٧٧).