ومن هاتين البدايتين نشأ العنصران اللذان يتألف منهما دين الصين القومي وهما: عبادة الأسلاف المنتشرة بين جميع طبقات الأمة وعبادة السماء وعظماء الرجال التي تدعو إليها الكنفوشية. وكان الصينيون يقربون في كل يوم قرباناً متواضعاً- ويكون في العادة شيئاً من الطعام- للموتى، ويرسلون الدعوات الصالحات إلى أرواحهم؛ ذلك أن الزارع أو العامل الساذج كان يعتقد أن آباءه أو أسلافه يعيشون بعد موتهم في مملكة غير محددة أو واضحة له، وأن في مقدورهم أن يسعدوه أو يشقوه. وكان الصيني المتعلم يقرب لأسلافه مثل هذا القربان، ولكنه لم يكن ينظر إلى المراسم التي تصحبه على أنها عبادة بل كان ينظر إليها على أنها نوع من إحياء ذكراهم. ولقد كان من الخير لأرواح الموتى وللشعب الصيني بوجه عام أن يعظم هؤلاء الأموات، وأن تخلد ذكراهم لأن في تخليدها تعظيماً للطرق القديمة التي كانوا يسيرون عليها وسداً لطريق البدع وإقرارا للسلام في أنحاء الإمبراطورية. وما من شك في أن هذا الدين كان يسبب للصينيين بعض المتاعب والمضايقات؛ من ذلك أنه ملأ البلاد بما لا يحصى من القبور الضخمة التي لا يمكن انتهاك حرمتها، فعاقت هذه القبور إنشاء الطرق الحديدية وفلح الأرض للزراعة؛ ولكن هذه الصعاب كانت في نظر الفيلسوف الصيني صعاباً تافهة لا يقام لها وزن أمام ما تسديه عبادة الأسلاف إلى المدنية الصينية من استقرار سياسي واطراد روحي. ذلك أن هذا النظام المتغلغل في كيان الأمة الصينية قد أفضى عليها وحدة روحية زمانية رغم ما فيها من عوامل التفرق والانفصال التي تحول دون وحدتها المكانية وأهمها المسافات الشاسعة، ومن فقرها في وسائل النقل وسبل الاتصال. وبفضل هذه الوحدة الروحية ارتبطت الأجيال بعضها ببعض برباط قوي من وحدة التقاليد، وبذلك كان للحياة الفردية نصيب مشرف موفور وخطر عظيم في هذه العظمة التي لا يحدها وقت وفي ذلك المجال الممتد على مدى الزمان.