للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن عجب أن الدين الذي اعتنقه العلماء واتبعته الدولة قد وسع دائرة هذه العقائد الشعبية وضيق نطاقها في آن واحد؛ ذلك أن إجلال الناس لكنفوشيوس قد أخذ يعظم جيلاً بعد جيل حتى أصبح بفضل ما كان يصدره الأباطرة من مراسيم في المكانة الثانية بعد السماء نفسها. فكانت كل مدرسة تكرمه بوضع لوحة تذكارية وكل مدينة تكرمه ببناء هيكل فيها، وكان كبار الموظفين يحرقون البخور أو يقربون القرابين من حين إلى حين تكريماً لروحه أو إحياء لذكراه، ويعدون هذه الذكرى أعظم دافع لفعل الخير بين جميع ذكريات الشعب الصيني التي يخطئها الحصر.

ولم تكن الطبقات الراقية المثقفة تعده إلهاً، بل كان كثير من الصينيين يعدّونه بديلاً من الإله؛ ولربما كان من بين من يحضرون الصلوات التي تقام تكريماً له لا أدريون أو كفرة ملحدون، ولكنهم- إذا ما عظموه وعظموا أسلافهم- كانوا يعدون في المجتمع الذي يعيشون فيه أتقياء متدينين. وكان من الأصول المقررة في الديانة الكنفوشية الاعتراف بالشانج- تي، أي القوة العليا المسيطرة على العالم، وكان الإمبراطور في كل عام يقرّب القربان باحتفال عظيم على مذبح السماء لهذا المعبود المجرد. وقد خلا هذا الدين الرسمي من كل إشارة للخلود (٧٨)، فلم تكن السماء مكاناً بل كانت إرادة الله أو نظام العالم.

لكن هذا الدين البسيط الذي يكاد ينطبق على مقتضيات العقل لم يرض أهل الصين في وقت من الأوقات. ذلك بأن مبادئه لا تفسح المجال واسعاً أمام خيال الناس ولا تستجيب إلى آمالهم وأمانيهم ولا تشجع الخرافات التي تبعث البهجة في حياتهم اليومية. ولقد كان الناس في الصين كما كانوا في سائر بلاد العالم يجملون الحقائق الواقعية العادية بالخوارق الطبيعية الشعرية، وكانوا يحسون بأن آلافاً من الأرواح الطيبة والخبيثة ترفرف من حولهم في الهواء المحيط بهم وفي