جعل الإنسان كاذباً، منحطاً، مشوهاً، متنكراً وراء مئات الصور الخداعة وغير الطبيعية. ولم يعد ذلك المتحمس، الفتى الذي كان يخيل له أن تنفيذ مشروع عظيم سهل يسير كتصوره. وقد تعلم أن على المرء ألا يتوقع الكثير من الآخرين، وألا يعتمد كثيراً على تعاونهم معه، و (أهم من ذلك كله) ألا يثق كثيراً بنفسه … وتعلم أن أكثر الخطط كمالاً هي في الغالب أسوؤها (وأنه) لا شيء في العالم الأخلاقي، كما في العالم المادي، يتحرك في خط مستقيم، وبالاختصار أن الحياة أشبه برحلة بحرية يتعين فيها على الربان أن يكيف مسيره وفق هوى الريح والجو، ولا يطمئن أبداً إلى أن التيارات المعاكسة لن تعطله أو تجنح بمركبة؛ وأن كل شيء رهن بهذا: وهو أن يضع نصب عينيه ميناء الوصول الذي يقصده رغم مئات الانحرافات عن الطريق" (١١).
ويخلص أجاثون الخدمة لسيراكيوز وينجز بعض الإصلاحات، ولكن مؤامرة في القصر تخلعه، فيعتزل في تارنتوم. وهناك يرحب به صديق قديم لأبيه هو الفيلسوف والعالم الفيثاغوري أرخيتاس (ازدهر ٤٠٠ - ٣٦٥ ق. م) الذي يحقق حلم أفلاطون بالملك الفيلسوف. وهناك يعثر على حبيبة صباه بسوخي، ولكنها للأسف متزوجة من ابن أرخيتاس، ثم يتبين أنها أخت أجاثون. على أن داناي يؤتي بها (بعصا الروائي السحرية) من أزمير إلى تارنتوم، وقد هجرت عاداتها الأبيقورية لتحيا حياة العفة والبساطة. ويطلب إليها أجناثون أن تغفر له بعد أن أدرك أنه أثم بهجرانه إياها، فتعانقه، ولكنها ترفض الزواج منه، فقد عولت على التفكير عن انحرافات الماضي بحياة الزهد والتعفف في ما بقي لها من أجل. وتختتم القصة بأجناثون قانعاً قناعة لا تصدق بأن يعد المرأتين أختين له.
والكتاب تشوبه عشرات المآخذ. فبناؤه مفكك؛ ومصادفاته ذرائع كسولة للتهرب من الصنعة الروائية؛ وأسلوبه لطيف ولكنه شديد الأطناب؛ وفي كثير من الفقرات يبتعد الفاعل عن الفعل حتى ينسى؛ وقد هنأ أحد النقاد المؤلف بعيد ميلاده بأن تمنى له حياة طويلة طول جمله. ولكن "تاريخ