أن ينشئ أجاثون المستقيم الخلق على أسلوب أبيقوري في التفكير والعيش. ويزعم أن أحكم سياسة ينتهجها الإنسان أن يجري وراء الأحاسيس اللذيذة، و "كل اللذات هي في حقيقتها حسية"(٩). وهو يضحك من أولئك الذين يحرمون أنفسهم من لذات هذه الحياة الدنيا أملاً في مباهج السماء التي قد لا تتحقق أبداً. "فمن ذا الذي رأى مرة أولئك الأرباب، وتلك المخلوقات الروحية، التي يؤكد (الدين) وجودها؟ "فهذا كله حيلة يخادعنا بها الكهنة (١٠). ويدين أجاثون هذه الفلسفة لأنها تتجاهل العنصر الروحي في الإنسان وحاجات النظام الاجتماعي. ويقدمه هبياس إلى داناي المرأة الغنية الجميلة، ويشجعها على إغوائه، ويخفي عنه ماضي داناي حين كانت محظية. وترقص المرأة وتحمل أجاثون رشاقة جسدها مع سحر حديثها وموسيقى صوتها على أن يقدم لها حبه الخالص الطاهر. وتفسد داناي على هبياس مؤامراته إذ ترد حب أجاثون بمثله. ذلك أنها بعد أن تقبلت في أحضان رجال كثيرين تجد تجربة وسعادة جديدتين في حب أجاثون. وهي تتطلع إلى أن تبدأ مع أجاثون حياة جديدة أكثر طهراً بعد أن سئمت غرامياتها العديمة العاطفة. فتشتريه مع هبياس، وتعتقه، وتدعوه لمقاسمتها ثروتها؛ ولكن هبياس يبوح لأجاثون بماضي داناي وهي محظية انتقاماً منها. فيركب أجاثون البحر إلى سيراكيوز.
وهناك يكتسب سمعة طيبة بالحكمة والنزاهة، فيصبح الوزير الأول للدكتاتور ديونيسيوس. وقد تخلى الآن عن بعض مثاليته:
"فلم يعد يحلم كما كان بتلك المثاليات الرفيعة عن طبيعة البشر. أو قل أنه انتهى إلى معرفة البون الشاسع بين الإنسان الميتافيزيقي، الذي يفكر فيه المرء أو يحلم به في خلوته المتأملة، أو الإنسان الفطري وهو خارج لتوه في بساطته الفجة من يدي الطبيعة الأم، وبين الإنسان الزائف الذي جعله المجتمع والقوانين والآراء والحاجات والتبعية والصراع المتصل بين رغباته وظروفه، وبين مصلحته ومصلحة غيره، وما يترتب على ذلك من ضرورة إخفاء مقاصده الحقيقية وسترها باستمرار-أقول أن هذا كله