وبعد اثنين وأربعين عاماً قال جوته لكارل تسلتر إن أكثر الكتاب تأثيراً فيه هم شكسبير وسبينوزا ولينايوس (٥٧) وفي ٩ يونيو ١٧٨٥ كتب إلى ياكوبي بتسلمه كتابه "في تعاليم سبينوزا"، وتكشف مناقشته لتفسير ياكوبي لهذه التعاليم عن دراسة مستفيضة للفيلسوف- القديس اليهودي. كتب يقول "إن سبينوزا لا يبرهن على وجود الله، إنه يبرهن على أن الوجود (حقيقة المادة- العقل) هو الله. فليرمه غيري لهذا السبب بالإلحاد، أما أنا فأميل إلى أن أصفه وأثني عليه رجلاً تقياً جداً، لا بل مسيحياً جداً! … وأنا آخذ عنه أصح المؤثرات في تفكيري وسلوكي"(٥٨).
وقد علق جوته في سيرته الذاتية على رده على ياكوبي بقوله:"كنت لحسن الحظ قد أعددت نفسي … بعد أن انتحلت إلى حد ما أفكار وعقل رجل خارق للعادة … وهذا العقل، الذي كان قدأثر في تأثيراً حاسماً جداً، وكتب له أن يؤثر تأثيراً عميقاً جداً في أسلوب تفكيري كله، هو سبينوزا. ذلك أنني بعد أن بحثت في العالم عبثاً عن وسيلة لتطوير طبيعتي الغريبة، وقعت في النهاية على كتاب "الأخلاق" لهذا الفيلسوف … فوجدت فيه مسكناً لعواطفي المشبوبة، وتفتحت أمامي نظرة واسعة حرة تشرف على العالم الحسي والخلقي … ولم تبلغ بي الجرأة قط مبلغ الاعتقاد بأنني فهمت كل الفهم رجلاً … ارتقي، بدراساته الرياضية والربانية، إلى ذري الفكر، رجلاً يلوح أن اسمه حتى في يومنا هذا، يعين الحد الذي تقف عنده كل المحاولات التأملية"(٥٩).
وقد أضاف مزيداً من الدفء لعقيدته الاسبينوزية في الحلول (وحدة الوجود) بولعه الشديد بالطبيعة، ولم يكن هذا الولع ابتهاجاً فحسب بمرأى الحقول النضرة أو الغابات الغامضة أو النباتات والأزهار المتكاثرة في تنوع غزير، بل أنه عشق أيضاً حالات الطبيعة الأكثر صرامة، وأحب أن يشق طريقه خلال الريح أو المطر أو الثلج، ثم صعوداً إلى قمم الجبال الخطرة. وكان يتحدث عن الطبيعة كأنها أم يرضع من صدرها رحيق الحياة ونكهتها. وقد عبر فيملحمة من الشعر المنثور سماها "الطبيعة"(١٧٨٠)، بوجدان